لا تزال معدلات الفقر تسجل ارتفاعًا في الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة الذي تخطى فقره المدقع نسبة 33%، وذلك لعدة أسباب بعضها متعلقة بالاحتلال وتراجع التمويل الدولي، وأخرى لنقص التدخلات المحلية على المستوى الرسمي وإسقاط البرامج التنموية من الموازنات السنوية.
وإزاء ذلك أوصى حقوقيون واقتصاديون وتنمويون، بوضع استراتيجية واقعية قابلة للقياس، للحد من معدلات الفقر في الأراضي الفلسطينية بمشاركة الجميع، في حين أوصوا باتباع نموذج يخالف "السوق الحر" يعطي التكاملية بين القطاعين العام والخاص في إحداث تنمية تأخذ في الحسبان ظروف الاحتلال.
وحثَّ هؤلاء على أهمية رفع السلطة الفلسطينية حصص القطاعات الإنتاجية في الموازنة السنوية، وسلطة النقد أن توعز للمصارف بتغليب كفة الاقتراض لصالح المشاريع الإنتاجية لدورها في خفض معدلات البطالة.
وشددوا على أن الفقر يشكل انتهاكًا شديد الخطورة وجوهري لحقوق الإنسان الأساسية في السكن والصحة والتعليم والتنقل والحركة والعيش الكريم والرفاه وغيرها.
تلك التوصيات والدعوات تأتي في اليوم العالمي للقضاء على الفقر والذي دأب على إحيائه في 17 أكتوبر من كل عام.
وعد غسان أبو حطب، منسق مشاريع مركز دراسات للتنمية جامعة بيرزيت، أنَّ القضاء على الفقر في المجتمع الفلسطيني أمر الصعب، وأنَّ الحد منه هو الخيار.
وبيَّن أبو حطب لصحيفة "فلسطين" أنَّ القضاء على الفقر صعب، لعدم توفر سياسات واضحة وغياب المهام الموزعة بين الحكومة والقطاع الخاص وهذا تسبب في تداخل الصلاحيات وقلة النتائج المؤثرة.
وبيّن أنَّ السلطة تتبنى رؤية البنك الدولي لمتابعة الفقر، وهذه الرؤية خطرة حيث إنها تعمق الفقر، وتهدف إلى خلق دينامية إفقار مستدامة، لذا ينبغي التحرر منها.
وذكر أبو حطب أنَّ رؤية البنك تعطي القطاع الخاص اليد العليا في إدارة عجلة الاقتصاد، والحكومة دورها محدود فقط لوضع التشريعات وتنظيمها، فضلًا عن اعتماد رؤية البنك على فلسفة السوق الحر.
وشدد أبو حطب على أننا بحاجة إلى نموذج يلائم الوضع الفلسطيني الواقع تحت احتلال، هذا النموذج يعمل على التكامل بين الدور الحكومي والقطاع الخاص.
وتطرق في حديثه إلى اشتراطات المانحين على الفلسطينيين في تجنّب إبعاد التنمية في المشاريع الممولة، وأنَّ هذا بحد ذاته ساهم في زيادة معدلات الفقر.
كما ألقى باللوم على السلطة في تخفيض نصيب القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية في الموازنة السنوية، ووضع نصيب المشاريع التنموية من موازنتها في ذيل القائمة، مشددًا على أنَّ ذلك من أكبر العوامل التي تسببت في إحداث الفقر وتعميقه.
من جهته أوضح الاختصاصي الاقتصادي د. سمير عبد الله أن الظروف السياسية العامة وانتهاكات الاحتلال تمخض عنها اقتصاد فلسطيني غير قادر على النمو، وأن ذلك امتد منذ عام 2012 وحتى الآن.
وأكَّد عبد الله لصحيفة "فلسطين" أنَّ الأزمات المالية المتلاحقة التي تواجه السلطة الفلسطينية، بلا شك أنها أضافت فقراء جددًا من طبقة الموظفين.
وقال: "إنَّ حجز أموال المقاصة منذ يوليو الماضي، قد رهن ثلثي إيرادات الحكومة بيد الاحتلال، وبات الموظف الحكومي لا يستلم كامل راتبه، فأضحى غير قادر على تأمين احتياجاته أو تسديد ما عليه من ديون".
وعرّج عبد الله في حديثه إلى انعكاسات جائحة كورونا على ضرب الاقتصاد الفلسطيني، خاصة عند أصحاب العمل اليومي، وذوي المشاريع الصغرى والوسطى في ظل محدودية التعويض الرسمي عن الخسائر التي ماتزال تلاحقهم.
ونبَّه الاختصاصي إلى أنَّ قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية بمقاييس الفقر، يعد أكثر معاناة لأنه يعاني من الحصار المفروض من 14 عامًا، وتعرض لحروب ثلاث، جميعها دمرت البنية التحتية، والمؤسسات الإنتاجية وجرَّفت الأراضي الزراعية.
وحذَّر من نزع الفقر عن الفرد السمات العادية التي يتمتع بها، وتحويله إلى فرد مجرم، أو منحرف، أو مريض نفسي.
وفي السياق أكَّد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" أنَّ سياسة الاحتلال القائمة على إفقار الفلسطينيين من خلال محاصرتهم ومنعهم من استثمار واستغلال مواردهم الطبيعية، زاد من الواقع خطورة وصعوبة.
وشدد مركز "شمس" في بيان له على أنَّ إجراءات الاحتلال والحصار المالي المتَّبعة من جانب الإدارة الأمريكية، لا يمكن قراءتها في سياق معزول، بل يجب أن يتم النظر بقدر ما يسبّب ضررًا للعائلات الفلسطينية، ورفع غير مسبوق لمستويات الفقر والبطالة.
وبيّن المركز أنَّ هذا الواقع زاد من نسب الفقر والبطالة في قطاع غزة والتي وصلت خلال عام 2019 إلى ما يقرب من 75%، في حين أنَّ 70% من سكان قطاع غزة غير آمنين غذائيًا.
وأشار المركز إلى أنَّ بيانات البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية تفيد بأنَّ 33,8% من مجتمع قطاع غزة تحت خط الفقر المدقع.
وأشار إلى أنَّ هناك آلافًا من الأسر الفلسطينية مسجلة على قوائم الانتظار للاستفادة من برامج وزارة التنمية الاجتماعية.
وذكر المركز أنَّ عدد العاطلين عن العمل (15 سنة فأكثر) 343,800 شخص في عام 2019، بواقع 215,100 شخص في قطاع غزة و128,700 شخص في الضفة الغربية.
وبيّن المركز أنَّ تحليلًا جديدًا من منظمة "أوكسفام" ومنظمة تمويل التنمية الدولية أظهر أنَّ دخل 42% من الأسر الفلسطينية قد انخفض بمقدار النصف خلال فترة الإغلاق من شهر آذار إلى نيسان من العام الجاري مقارنة بشهر شباط لنفس العام.