من قال إن الاحتلال أجَّل الضم للأراضي الفلسطينية؟ ومن قال إن الاحتلال أوقف الاستيطان؟ ومن قال إن الاحتلال لم يطبق صفقة القرن بحذافيرها؟ فالإجراءات الإسرائيلية الأحادية على الأرض تنفذ تحت سمع وبصر العالم وكلها ترقى لمستوى جرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني ومحكمة جرائم الحرب في لاهاي.
فما أقدمت عليه سلطات الاحتلال بالتصديق على بناء آلاف الوحدات الأخرى بما فيها بناء 5 آلاف وحدة في معظم المستوطنات في الضفة المحتلة، يعد أكبر تحدٍّ للعرب الذين يلهثون وراء ما يسمى التطبيع المذل، كما أن الاستيطان الإسرائيلي عمومًا يشكل انتهاكًا جديدًا يضاف إلى سلسلة الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية المتصاعدة، ونعده جزءًا من عمليات الضم والسرقة والقضم التدريجي للأرض الفلسطينية المحتلة".
الاحتلال يسابق الزمن في بناء المستوطنات وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية بملهاة التطبيع وغطاء من المطبعين والمتصهينين ومن ثم يزحف شيئًا فشيئًا لضمها عاجلًا أم آجلًا، فقد لا يكاد مرة واحدة تخلو كلمة ضم الضفة الفلسطينية من خطابات نتنياهو ووزرائه وحتى السفير الأمريكي المتصهين، فريدمان، أكد ذلك بعد توقيع اتفاق التطبيع مع الإمارات والبحرين لقوله إن الضم آتٍ لا محال، بل إن أولى اهتمامات الاحتلال ضم الضفة الغربية، بما فيها القدس.
كل يوم بل في كل ساعة يسجل في الضفة والقطاع اعتداءات من قبل قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين على البلدات والقرى واقتلاع الأشجار وكتابة الشعارات العنصرية المعادية للفلسطينيين، فمصادرة الأراضي والممتلكات وهدم المنازل وبناء المستوطنات وتوسيعها حدث ولا حرج، إلى جانب الحواجز العسكرية التي هدفها إذلال أبناء شعبنا، وكذلك اعتداءات القوات التي على هذه الحواجز باتت لا تطاق.
أما بالنسبة للقدس، فإن محاولات تهويدها وطمس معالمها التاريخية جارية على قدم وساق، وقد تضاعفت في أعقاب اعتراف الإدارة الأمريكية بالمدينة عاصمة لدولة الاحتلال، كما أن استفزازات المستوطنين للأهالي يومية إلى جانب الاعتداءات على المسجد الأقصى والاستيلاء على المنازل في البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح، وكذلك عمليات الهدم والتجريف وغيرها من الانتهاكات التي تجري وسط صمت دولي رهيب، وكأن دولة الاحتلال هي الحاكم بأمره على مستوى العالم.
والوضع في قطاع غزة لم يكن بأحسن حال من الضفة، فهو يعيش في الحصار البري والبحري المتواصل منذ حوالي ١٤ عامًا، خلف الفقر المدقع والأمراض ووصلت نسبة البطالة فيه إلى أكثر من ٦٥٪ وهي أعلى نسبة في العالم، لدرجة أن الأوضاع إذا ما بقيت عليه فإن هذه البقعة من الأرض الفلسطينية ستصبح في سنوات قليلة غير صالحة للعيش الآدمي.
ناهيك بالاعتقالات اليومية التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد أبناء شعبنا والتي تطال الصغار والكبار والنساء والأمهات، ومحاصرة البلدات والقرى وإطلاق النار على الشبان خلال المواجهات مع هذه القوات في أثناء اقتحامها لهذه البلدات والقرى وكذلك المدن، ما يشبه حربًا مستمرة على شعب أعزل لا يملك من القوة العسكرية واحد في المائة ما يملكه جيش الاحتلال.
لكن ثَمة سؤال يطرح نفسه في هذا السياق، ماذا تهدف سلطات الاحتلال الإسرائيلية من هذه السياسة؟ الإجابة اختصرها في كلمة واحدة وهي التهجير، فسلطات الاحتلال تهدف إلى جعل المواطنين يرفعون الراية البيضاء، بعد أن يُهجَّروا ما يمكن تهجيره، إلى خارج بلادهم، إما طوعًا بسبب عدم قدرتهم على تحمل هذه الممارسات والجرائم المرتكبة بحق الجميع أو إرغامهم على ذلك عن طريق مواصلة وتصعيد الاعتداءات، سواء من قبل قوات الاحتلال أو من قبل قطعان المستوطنين الذين تعدهم دولة الاحتلال القوة الضاربة أو الذراع الضارب للمواطنين في الضفة الغربية بدعم وحراسة قوات الاحتلال التي تساندهم وتغض الطرف عن جرائمهم المرتكبة.
فقادة الاحتلال لم يقرؤوا التاريخ جيدًا ولم يفكروا في العبارة القائلة، الكبار يموتون والصغار لا ينسون، فالشعب الفلسطيني لم يتوقف عند الانتفاضتين الأولى والثانية على مدار العقدين السابقين، فهو الذي قدم التضحيات الجسام على مذبح قضيته الوطنية، لديه الاستعداد لتقديم المزيد منها حتى تحقيق أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال الناجزين، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وهو مؤمن إيمانًا مطلقًا بأن هذه الأوضاع السيئة والتي تسير إلى الأسوأ لا يمكنها أن تستمر، مهما حاول الاحتلال من تصعيدها.
فشعبنا سيبقى صامدًا فوق تراب وطنه ولن يرحل كما يتوهم قادة الاحتلال، وأنه سيتغلب على كل الصعاب والعراقيل التي يفرضها عليه الاحتلال الغاشم. والزمن هو في النهاية لصالح الشعوب ولصالح شعبنا. فشعبنا لن يهزم ولن يستسلم ولن يرفع الراية البيضاء مطلقًا.