فلسطين أون لاين

افتتح بشروط الوقاية بعد إغلاقه بسبب جائحة كورونا

"سوق الشجاعية".. بابتسامة رضا يقصدُ الناسُ "الحياة"

...
غزة- يحيى اليعقوبي:

"أهلًا وسهلًا؛ تفضلوا"، أخيرًا عاد خميس مريش إلى عمله في سوق الشجاعية الشعبي، للترحيب بالزائرين بلا خوف، يجلس واضعًا "رجلًا على رجل"، بعدما قضى قرابة شهر ونصف الشهر أسوة بزملائه يخضعون لمحاذير وقيود فرضت على الحركة في ظل جائحة كورونا.

وجود مريش في عمله مثل طائر عاد إلى "عشه"، وفرحته ترفرف على جناحيه، هندم نفسه جيدًا صباحًا مع عودة الحياة لسوق الشجاعية، مرتديًا قميصًا ورديًّا باهتًا، وقد صفف شعره على "سنقة عشرة"، تكحله ابتسامة بكل من يقابله.

"مبسوط كتير اني رجعت للعمل، الواحد تعب وزهق، كنا ننزل نفتح ساعة، ساعتين (بحذر شديد) لكن الآن انتهى كل ذلك بالنسبة لمريش بعد قرار الجهات الحكومية المختصة في غزة بالسماح بفتح السوق مع اتباع الإجراءات الوقائية.

على قارعة الطريق؛ تجلس الستينية "أم محمد" واضعة أمامها ظرفين برتقاليين وتجلس على طاولة، تمسك بيديها أمام الزائرات والوافدين ملابس أطفال خريفية بـ"بالجلاتين"، لا تزيد المساحة المخصصة لها على متر مربع يساعدها أحد أبنائها.

هي على ذات الحال منذ 13 عامًا، أكلت الشمس ملامحها المتحالفة مع اللون الداكن وكذلك ابنها، لكن ابتسامة الرضا التي برزت منها تغطى على ذلك كله: "اللي ناوي على الرزقة ربنا برزقه، واللي ناوي على السترة ربنا بستره".

من هذين المظروفين درَّست أم محمد ستة أبناء جامعيين منهم اثنان لم يتخرجا بعد، استقبلتنا بابتسامة مشرقة ووجه بشوش، في الأثناء تتجمع حولها بعض النسوة لشراء ملابس، في حين هي كذلك تقتطع ثواني للحديث، كلماتها هنا خرجت عفوية لصحيفة "فلسطين": "زي ما انت شايف، هينا تحت الشمس، بتشقى وبتتعب بعرق جبينك ولا بتحتاج تروح على جمعية خيرية (...) الحمد لله يمكن الناس ما تصدق، لكن درست ستة أولاد بالجامعات من هاي البسطة".

حاولت أم محمد إنهاء المعاناة التي تصف حالها بتلك الكلمة وهي تبيع على الرصيف، وأن تستأجر محلًّا تجاريًّا يبلغ إيجاره السنوي ثلاثة آلاف دينار، لكن شخصًا ما كان قد سبقها إليه وظفر به"؛ تتغير الفصول الأربعة، تتبدل ظلال واتجاهات الشمس، لكن تبقى الحاجة على هيئة جلوسها، تعود بما يسد "رمق العيش".

شعورك بعد افتتاح السوق؟ تنظر بعينين تبرقان فرحًا ووجه تسلك ضحكة عابرة طريقها فيه، وصوت يعبر عن كل ذلك: "آه والله الحمد لله انبسطنا؛ كانت أمورنا صعبة بالأول، فش معيل، ما أخدناش حاجة، لكن أجا الشتا وأواعي الصيفي وديناها على المخازن".

"أم علي".. "بركة السوق"

"حاسة السوق متغير" هنا تحدث الشابة آية الجعبري شقيقتها وهما تسيران في أحد الممرات، ترى تغيرًا واضحًا على حال السوق، مفسرة ذلك بأن "حركة المواطنين فيه محدودة، كما أن العديد من المحال فيه تغلق أبوابها".

لماذا نزلت السوق؟ ترد بضحكة عبرت على ملامحها أسرع من البرق ثم تلاشت، قائلة: "سمعنا أن السوق فاتح، فنزلنا لشراء ملابس هدية لأخي بمناسبة يوم ميلاده، وشقيقتي رافقتني لأنها ستشتري قالب جاتوه".

زادت ابتسامتها هذه المرة: "حابين نعمله مفاجأة لما يروح من الشغل".

خلال جولتك بين ممراته، لن يعوق حركتك أي ازدحام كان يعطل خط سيرك في السابق، بل ستجول السوق "طولا بعرض" في دقائق قليلة، فوجود الناس أقل من أن يعوق حركتك، بسبب الجائحة.

هناك، أي زبون عابر يمثل "صيدًا" يطارده البائعون "بأجمل عبارات التخفيض" وأحيانا يدللونه "بس تعال واشتري"، ورغم ذلك من يوجد في السوق من الناس، جاء لأجل مناسبة طارئة احتاج فيها إلى ملابس.

أمام حاصل مغلق، تفرد "أم علي" جندية ملابس أطفال داخلية على أرضية من النايلون، هذه السيدة التي لا تتابع الأخبار وصلها خبر افتتاح السوق متأخرًا، فحضرت قبل ساعتين من لقائنا معها، في ملامحها حكاية أخرى من الشقاء والمعاناة، تعبر عنها بكلمات قليلة تختصر حالها: "الحمد لله هذه البسطة، تعيل قرابة 12 فردًا، قالوا لي بالبيت: هي فتح السوق روحي ترزقي، فجئت إلى هنا".

تشير إلى الملابس أمامها، وفي صوتها حسرة: "والله كلها دين في دين؛ النا شهرين محجورين مدخلش علينا شيكل، الله أعلم كيف كنا ناكل وندبر حالنا، يوم جبنة، يوم زعتر (...) الواحد بدهوش روحة السوق ويقعد بين الزلم (الرجال) لكن مجبرة ندور على رزقتنا".

في أحد الممرات، تزين الملابس الشتوية للأطفال حائط أحد المحال، وأمام كومة ملابس شتوية تحاول إحدى الزبائن العثور على طلبها للباس "جميل ورخيص".

عثرت على طلبها وفاصلت صاحب المحل حتى اشترت ملابس (ترنق بناتي) وأنزلت من ثمنه، تتباهي منتشية "بانتصارها" في الشراء: "ما أنت شايف الوضع الواحد يا دوب يطعمي أولاده، وهادي الأواعي لبنت أختي، رغم ظروفها الصعبة، ما هانش عليها ببنتها ملابس جديد (...) هدول أولاد صغار بطلعوا على ولاد عمهم".

قابلتنا فرحة العكلوك وشقيقتها هبة التي تحمل بيدها عدة مظاريف، في أحد ممرات السوق، وهي تسارع الخطوات للخروج منه، فأخذنا من وقتها قليلًا، تقول عن سبب نزولها: "جئت واشتريت بيجامة خريفي لشقيقتي وحذاء لي، الآن عدنا للدوام والعمل وهناك احتياجات تريدها، صحيح الأكل والشرب الشيء الأساسي، لكن هناك أشياء طارئة تجبرك على النزول للسوق".