اثنان وثمانون يومًا حتى الآن هي أيام الإضراب المتواصل عن الطعام التي أمضاها الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس، ابن سيلة الظهر في الضفة الفلسطينية المحتلة. ماهر يرفض الاعتقال الإداري. الاعتقال الإداري إجراء عقابي أسوأ من الاعتقال عن طريق محكمة معلومة الحكم، وسنوات السجن. الاعتقال الإداري اعتقال بملف سري، ليس فيه تهمة محددة، ومدة الاعتقال تكون ستة أشهر تتجدد تلقائيًّا عن طريق تقرير يقدمه جهاز المخابرات، ولا يعلم عن مضمونه وفحواه السجين شيئًا.
إنه إذا تكررت مدد الاعتقال الإداري، يلجأ الأسير الفلسطيني إلى الإضراب عن الطعام في مكافحة غير متوازنة مع إدارة السجن. وإذا نظرنا في تجربة ماهر الأخرس، وفي تجربة من سبقه من الأسرى، نجد أن مدة الإضراب عن الطعام تتجاوز الثمانين يومًا، وبعد هذه المدة الطويلة يتحرك الإعلام لتناول القضية، وتتحرك المخابرات للإيعاز للمحكمة لاحتواء الموقف عن طريق تحديد موعد قادم للإفراج عن الأسير المضرب.
في حالة ماهر الأخرس تحركت المحكمة بتوجيهات المخابرات وقررت الإفراج عنه في نوفمبر القادم، في محاولة لإحباط إضرابه، وإحباط الرفض الفصائلي والجماهيري المتعاطف مع الأسير. وتحميله مسؤولية الاستمرار في الإضراب. ماهر الأخرس أدرك ولا شك لعبة إدارة السجن والمحكمة فقرر رفض قرار المحكمة، والاستمرار في الإضراب للحصول على إفراج فوري، ولكن صحة الأخرس في تدهور مستمر، وقد يفقد القدرة على الحياة في أي لحظة.
هذه التجربة النضالية، وهذه المدة الطويلة، وهذه الحالة برمتها وتفاصيلها، لم تحرك الضمير العالمي، أو الضمير الأوربي للضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عن ماهر الأخرس. السجين الفلسطيني لا يحظى بموقف أوروبي مدافع عنه لأنه فلسطيني، ولأن من يسجنه إسرائيلي، فإسرائيل عندهم فوق النقد، والفلسطيني عندهم متهم حتى يثبت هو براءته، وعلى الرغم من إلغاء دول العالم للاعتقال الإداري، فإن (إسرائيل) تحتفظ به، وتطبقه على الفلسطينيين، وهي لا تواجه بنقد من أوروبا. الاعتقال الإداري جريمة أخلاقية، وجريمة ترتكبها الدولة في مخالفة صريحة لقوانين العدل، والحق في الحرية، وهو اعتقال يقوم على قواعد سياسية، وملفات أمنية غالبًا ما تكون ملفقة، يقدمها عملاء الدولة عن الضحية.
في فلسطين، وفي ظل حالة الاحتلال، وفي ظل الانحياز الدولي لدولة الاحتلال، لا مناص للمعتقل الإداري من الإضراب عن الطعام في محاولة منه لوضع تاريخ فاصل بين الاعتقال الإداري والحرية، وغالبا ما تكون هذه التجربة مريرة، وعلى حساب صحة المعتقل.
إن رفض الأخرس لقرار المحكمة الأخير يجدر أن يحظى بتأييد المجتمع الفلسطيني، لأنه قرار احتواء، وليس قرار عدالة.