لا تعبر (إسرائيل) حقل الأشواك وحدها، دائماً تفتش عن حذاء محلي بجلد سميك، يساعدها في اجتياز الأوحال، وإذا اصطدمت (إسرائيل) بصخرة عنيدة، تستعين بصديق أو حليف، ولا تغامر (إسرائيل) بجيشها، ولا تزج به في حرب غير مضمونة، فالجيش الإسرائيلي لم ينتصر في أي حرب ضد الجيوش العربية إلا بالخدعة والخيانة، وكل ما حققته إسرائيل من انتصارات على الجيوش العربية كان عملاً مسرحياً، تمكنت فيه المخابرات من سحق القيادة، والسيطرة على الإرادة، وإطلاق الرصاص الإسرائيلي الحاقد لجز أعناق الجنود.
لقد انكسر الجيش الإسرائيلي حين واجه المقاتل العربي المعبأ بالإصرار، والذي تميز بالرجولة، كما حدث في حرب أكتوبر، وكما حدث في الجنوب اللبناني سنة 2006، وكما حدث على بوابات غزة أكثر من مرة.
ويذكرنا التاريخ بأنه في كل مرة كانت تعجز فيها العصابات الصهيونية عن حسم المعركة على أرض فلسطين قبل النكبة 1948، كانت تلجأ إلى الهدنة تارة، وإلى التآمر تارة أخرى، وهذا النهج ما زال سياسة إسرائيلية حتى يومنا هذا، ويشهد على ذلك عجز إسرائيل عن مواجهة المقاومة في الجنوب اللبناني، وعجزها عن مواجهة الرجال في قطاع غزة، لذلك تسعى إلى الهدنة، وهي تدير شبكة من العملاء لتخوض بهم الحرب نيابة عن جيشها.
ضمن منطق التآمر الإسرائيلي على رجال المقاومة، فلا غرابة أن تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وتفرض عليه العقوبات، كي يكره الناس المقاومة، ولا غرابة أن تستخدم إسرائيل رغيف الخبز سلاحاً ضد المواطن اللبناني، كي يثور على المقاومة، ولكن الأخطر هو ما تحضره إسرائيل من جيوش عربية لمحاربة رجال غزة نيابة عنها، وما تحضره إسرائيل من جيوش عربية تفجر حرباً أهلية في لبنان، وفي الحالتين فالهدف هو إشغال المقاومة بنفسها، وحرق أوراقها بعيداً عن مواجهة الجيش الإسرائيلي.
إن ما يحضر للبنان من تجويع وحرب أهلية لا يختلف كثيراً عما يحضر لغزة من تجويع وحرب أهلية وتفجيرات داخلية، وقد جاء حديث سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، لرئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عن فكرة استقالة نواب حزبيهما من البرلمان، وأن جعجع سيمضي في المواجهة ضد حزب الله حتى النهاية، وأن لديه 15 ألف مقاتل، وأنهم قادرون على مواجهة الحزب الذي بات يعاني من ضعف كبير، نتيجة الأوضاع في لبنان وفي الإقليم، جاء هذا الحديث ليؤكد على استكمال مخطط التآمر على المنطقة ككل، وجاء ليؤكد عجز الجيش الإسرائيلي عن مواجهة المقاومة في الجنوب اللبناني.
بعد موجة التطبيع، وانكشاف المرمى العربي، لم يبقَ أمام إسرائيل إلا تسجيل الأهداف السهلة، والانتقال من خانة الانتظار إلى حالة الفعل، ومن التفكير بآلية الدفاع إلى توسيع دائرة الهجوم، ولكن بأذرع العملاء، وهذا ما جاء في حديث جعجع الذي اعترف بأنه مدعوم من الولايات المتحدة الاميركية، ومن السعودية والإمارات العربية ودول أخرى.
فهل يبادر حزب الله، ويفسد المخطط الصهيوني بالاشتباك المباشر مع العدو الإسرائيلي؟ فالحرب مع إسرائيل أقل تكلفة من الحرب الأهلية. وهل تم ترتيب خطوات استباقية مشتركة بين مقاومة غزة والمقاومة في الجنوب اللبناني ضد العدو المشترك، ليصير خلط الأوراق هزيمة إسرائيلية، وتصير بعثرة ما في الأدراج من مخططات نصراً لفلسطين؟