فلسطين أون لاين

المصالحة ضرورة لا بد منها

...

توجد في حياة كلّ شعبٍ من الشعوب حكايات خالدة، تُحكى وتتناقل من جيل إلى جيل، فقد صارت هذه الحكايات بمنزلة أيقونات، وتصنع هذه الحكايات رموزًا على المستوى المحلّي والدولي، حيث إن تلك الحكاية في هذه المرحلة حازت مساحةً لا يستهان بها من الذاكرة الفلسطينية، إنها حكاية المصالحة.

المصالحةُ هنا ليست مجرد كلمةٍ عابرةٍ تُقال أو عنوانٍ يُردد، أو مصطلح على السلامات الحارةِ، فهي هنا ليست مشكلة بين حارتين ولا مشكلة بين عائلتين. هي بين فكرين مختلفين وصدق من قال الخطان المتوازيان لا يمكن أن يلتقيا.

كثيرٌ من الساسة يسعى لأن يُقرّبَ وجهاتِ النّظرِ بين طرفي الانقسام تحتَ ذريعةِ أنّ ما يجمعُنا أكثرُ مما يُفرقنا، ولكوننا أبناءَ بلدٍ واحدٍ، وتجمعُنا فلسطين تحت عَلَمِها ومظلتها.

المتتبعُ لكثيرٍ من جلسات المُصالحة يجدُ أنّ هُناك أطرافًا كثيرةً لا تُريد للبيتِ الفلسطيني أنْ يلتمَّ شملُه ويجتمع على كلمةٍ واحدةٍ سواء، فتشعرُ من ذلك وكأنّ هذه الفئاتِ تقتات من خلف هذا الانقسام الأسود الذي وصلَ لكلِّ بيتٍ فلسطيني بعضٌ من أثره, واندثرت معه آمالُ جيلٍ بأكمله.

والسؤال الذي يتردد: هل تنجح هذهِ المرة جهود كلٍّ منْ جبريل الرجوب وصالح العاروري وحسام بدران في المُضِي قُدمًا في ملفِ المصالحةِ أم أنها ستكونُ مداولاتٍ واجتماعاتٍ كسابقاتها؟!

الفلسطينيون في هذا الأمرِ منقسمون ما بين متفائلٍ ومتشائمٍ وما بين الداخل والخارج، لكونهم يُشبهونَ حوارات المصالحة وجولاتها كالمسلسلات المِكسيكيّة المشهورة بحلقاتها الطويلةِ والمُملة.

استحقاقاتٌ كثيرةٌ مطلوبةٌ من طَرفَي الانقسام، وأعتقدُ جازمًا هنا أنَّ الرئيسَ محمود عباس من أجلِ أنْ يُعطي انطباعًا حقيقيًّا عن جديّةِ ذهابه للمصالحة لا بد أن يظهر حسن النوايا وجديته في طي ملف الانقسام بالعمل على حَلِّ كثيرٍ من الملفاتِ التي خلفها الانقسام، ومن ضمنها رواتبُ الشهداء والأسرى والموظفين المقطوعةُ على خلفياتٍ تنظيميةٍ، وجوازات السفر وغيره من الملفات العالقة التي إن بَقيت على حالها تُعطي انطباعًا، أنَّ السلطةَ الفلسطينيةَ وحركة فتح غير جادَّتين في المُصالحةِ وعلى الأرض لم نرَ تغيرًا إيجابيًّا في موقف حركة فتح إلا بتغير وجوه وفد المصالحة فقط.

وكأن المصالحة في عرفهم مناورةٌ لكسبِ الوقتِ للوصول إلى ما بعد نتيجةِ الانتخابات الأمريكيّة التي سيبنى عليها ولها ما بعدها.

حين نجدُ أن حركةَ حماس قد قدمت كثيرًا من التنازلاتِ منذُ بدء الحديثِ عن ملف المصالحة، وكان آخرها ما قدَّمَه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة للدورة الحالية -الأستاذ يحيى السنوار أبو إبراهيم- من تنازلاتٍ كثيرةٍ من أجلِ تسريعِ عجلة المُصالحة حتى أنه واجَه كثيرًا من الأقلام الناقدة لجرأته في تقديمِ تنازلاتٍ في العديد من الملفاتِ العالِقةِ لإثبات حسن النوايا؛ لكن حركة فتح قابلتْ هذه التنازلات بشيءٍ من السَّلبِيّة وتوقفت حينها عجلة المصالحة.

المصالحةُ الفلسطينية مطلبٌ ضروري من أجل وحدة وطنية حقيقية لمواجهة المصير الحقيقي للشعب الفلسطيني في حاضره ومستقبله أمام هذه التحديات الجسام التي يفرضها الواقع العربي المتدهور، في وقت تسارعت فيه بعض الدول العربية للتطبيع مع الصهاينة تطبيعًا ليس كمثله تطبيع إنما تطبيع ثقافي واقتصادي وربما يأتي عكسيًّا على القضية الفلسطينية لكونه هذه المرة مصاحبًا لأصوات تنادي بعدم أحقية الفلسطينيين في حق العودة للاجئين وتنكر كثير من الكتاب العرب والسياسيين من الدول المطبعة للقضية الفلسطينية برمتها ودحضهم لحقها التاريخي في الحصول على دولة وانتقادهم لطرفي الانقسام وتحميلهم المسؤولية أنهم هم من سببوا الضياع للقضية الفلسطينية وتراجعها في المحافل الدولية كل هذا وذاك يستدعي ممن هو في حكم المدافع عن القضية أن يعجل في عجلة المصالحة للوقوف أمام استحقاقات المرحلة المقبلة والعمل على الدفاع عن قضية فلسطين أمام العالم أجمع والبرهان هو المصالحة الفلسطينية الفلسطينية.

المصدر / فيان قديح