يبرع بعض الكتاب الفلسطينيين في انتقاد الحالة الفلسطينية الراهنة المتفاعلة باتجاه تحقيق الوحدة الوطنية إلى حد تشعر معه أن عملية النقد التي يمارسونها في كتاباتهم حالة مرضية نفسية أكثر مما هي حالة اختلاف سياسي وفكري، وغالباً ما يكون هؤلاء الكتاب ممن كان لهم دور سياسي بارز في زمن ماضٍ أو منشق عن تنظيم كان له فيه دور مؤثر أو كان منتمياً لتيار إعلامي يروج لفكرة التطبيع من طرف خفي، تتجلى حالة النقد هذه في اتخاذ مواقف متضادة في أوقات متقاربة لمواقف معينة.
قد يفهم المرء أن ينقد كاتباً أسلوباً معيناً في الحكم أو منهجاً سياسياً أو فكرياً لتنظيم، لكن مالا يفهم أبداً هو الخروج على حالة الإجماع الوطني الداعي لتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وهو الموقف الذي تقتضيه أصول المنطق والفكر السياسي السليم، وتنادي به كافة القوى الاجتماعية والسياسية والمدنية، وتؤمن به قيادات العمل الحزبي والسياسي على اختلاف توجهاتها، صحيح أن لكل شرعةً ومنهاجاً في رؤيته لوسائل تحقيق هذه الغاية، ولكن ما لا يختلف عليه اثنان هو ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية بأسرع وقت ممكن، لأن كل ساعة تمر في ظل الانقسام هي خسارة مؤكدة للشعب الفلسطيني وكسب للاحتلال.
ولذلك يكون غريباً جداً من بعض الكتاب أن يصف حالة الإجماع الوطني والفصائلي على تحقيق الوحدة ب "فنكوش سياسي" ويروج لهذه الفكرة أملاً في إحباطها، وكأن تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية هو هدف للاحتلال وليس أملاً للشعب الفلسطيني، قد يفهم نقد التباطؤ وتثاقل خطوات القيادات السياسية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الوحدة، وقد يفهم نقد بعض التصريحات لبعض القيادات التي كثرت وعودها دون أن نلمس واقعاً جديداً أمامنا مغايرا للواقع المعاش، ولكن مالا يفهم هو رفض الفكرة نفسها، على اعتبار أن القيادات الموجودة حالياً ليست أهلاً لتحقيق هذ الوحدة.
الغريب أن هؤلاء الشرذمة من الكتاب كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون لكثرة ما كتبوا في ضرورة تحقيق الوحدة وإنهاء " للعار" المسمى انقسام والطعن الدائم في "أجندات القيادات الخارجية" التي لا تبرح مشاريعها السياسية التي أثبت فشلها الدائم.
وكثيرا ما برعوا في اسداء "النصائح الذهبية" في كيفية إدارة المرحلة، وإغراق القيادات الحالية " بفيض الحكمة" المتدفق من تلك العقليات المتقدة الذكاء.
حسناً، وحينما تؤخذ هذه النصائح على محمل الجد، وتبدأ عجلة العمل السياسي بالدوران باتجاه إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام، نجد الأفكار تتغير والمواقف تتبدل والنصائح " الذهبية" تصبح ضربا من الخيال، والطعن وسوء الظن يكون مبدأ حديثهم ومنتهاه.
يا قومنا... إن شعبنا بحاجة إلى من يداوي الجروح ويكفكف الدموع ويهدئ الروع ويشحذ الهمم ويستحث الخطى، فمستقبل شعبنا وقضيتنا أصبح اليوم علي المحك والموقف لا يحتمل مغامرتكم السياسية ولا يحتمل ألاعيبكم السمجة، فإن لم تستطيعوا أن تكونوا سهماً في كنانة إنجاز المشروع الوطني فكفوا ألسنتكم أو أبلعوها واصمتوا عن ثرثرتكم التي لوثت فضائنا، فلم تتركوا لنا لحظة صفاء واستكانة لأرواحنا، ودعوا هذه البراعم تنمو وليسيجها الأبرار بأقلامهم ويرويها الأحرار بفضائل مواقفهم، علها تستوى على سوقها ويشتد عودها وتمتد أغصانها لتظلل كافة أبناء شعبنا بظلها الوارف من الوحدة الوطنية التي تاقت لها نفوسهم، والتي ما أصبح لنا بد عنها في ظل التخلي العربي الرسمي عن الثوابت العربية في دعم القضية الفلسطينية، وتسلل أفكار شيطانية تدعو زورا وبهتانا الى "المصلحة القطرية" التي تسمو على الثوابت العربية القومية، هذه الأفكار التي يجب أن يتجند في محاربتها وإظهار زيفها كافة الأحرار من الكتاب والمفكرين وقادة الرأي العرب وخاصة الفلسطينيين منهم، ففلسطين هي المستهدفة من هذا المشروع الصهيوني المنبت الأمريكي الرعاية والتسويق والذي يلامس هوىً عربيا رسميا.
فيا كتابنا كونوا حاملي مسك لفلسطين ولا تكونوا نافخي كير الفرقة والنزاع.