يدور الحديث عن إجراء انتخابات قريبة متوالية أو متتابعة تبدأ بالتشريعي ثم تليها الرئاسة ثم المجلس الوطني، الحديث ظهر على السطح نتيجة للحوارات التي تجري بين فتح وحماس سواء في الضفة أو غزة أو بيروت أو إسطنبول مؤخرا كلها كانت محطات للتمهيد نحو الخروج برؤية وطنية مشتركة تفضي إلى مسار جديد من العمل الوطني المشترك لمعالجة الازمات الفلسطينية المتفاقمة.
حركة حماس وإلى جانبها باقي القوى والفصائل الفلسطينية تؤمن بأن الذهاب للانتخابات مباشرة وبهذه الصيغة قد يكون مغامرة ومخاطرة في آن واحد، في ظل غياب الضمانات، وقد اشترطت (التزامن) لأسباب مختلفة منها الرغبة في إجراء معالجة شاملة ومتزامنة في كل الملفات، وتوفير الوقت والجهد في ظل الخطر المتزايد والمتنامي الذي يداهم القضية الوطنية، وتفاديا لأي مستجدات من شأنها تعطيل إحدى محطات أو مراحل الانتخابات.
وكذلك قطع الطريق على الاحتلال ومحاولاته الهادفة لتعطيل مرحلة دون الأخرى لتعقيد المشهد السياسي، وتفويت الفرصة في وجه الأطراف التي تحاول تمرير مواقفها على حساب الانتخابات، وتمكين شعبنا من فرز قيادة جديدة وفي لحظة متزامنة لتفادي أخطاء الماضي وتفعيل كل السلطات في آن واحد، وفرض إرادة شعبنا في مواجهة ما يدور في المنطقة من مؤامرات (التطبيع) وغيرها من المحاولات اليائسة لفرض الوصاية على شعبنا، في ظل عدم وجود أي مبررات موضوعية أو فنية لإجراء الانتخابات بالتتابع أو بالتوالي..
لكن قلنا سابقا ونقول الان أن البيئة لا تزال (غير صحية) خصوصا بأن الحوارات تجري حتى الان دون أن نجد هناك ترجمات حقيقية لهذا الحوار أو نشهد تغييرا في المواقف، الامر الذي يثير المخاوف والشكوك ويعرض الجهد الحالي للاندثار، فالمواطن في غزة يعيش تحت سطوة الإجراءات العقابية، والموظف يعاني من سياسة التمييز على أساس جغرافي، ليس الموظف فقط بل كل مؤسسات القطاع تعامل درجة ثانية وثالثة على سلم اهتمام السلطة..
فالأمر لم يتوقف عند الإجراءات وسياسة التمييز، فالتصريحات العنصرية من مسؤولين كبار في السلطة لم تتوقف، وكان أخرها ما سرب من لقاءات واتصالات لأحمد مجدلاني وهو يشتم ويسئ لسكان القطاع بشكل مؤسف ومقزز، تصرفات قد يعتبرها البعض أنها هوجائية ومتهورة، لكنها في الحقيقة تعكس صورة للقناعات الراسخة لدى قيادة السلطة، والتي لم تعتذر أو تقدم توضيحا أو حتى تلقي باللوم على الوزير المراهق، وكأن السلطة تتبادل الأدوار في تناوب غير أخلاقي لإهانة واذلال شعبنا في غزة.
تفسيرات مختلفة قد تفهم في سياق الأحداث تدفعنا للوقوف على أسباب هذا الاستهداف المتعمد، فغزة وتحت قيادة المقاومة استطاعت افشال مؤامرة كونية ولا أبالغ، فالحصار والحروب، ومحاولات الفوضى، والهجمات الإعلامية المركزة، والشيطنة والتشويه، والإجراءات الانتقامية، خطوات تواترت بشكل مخيف، وذلك لاجتثاث (قلعة المقاومة) وهزيمة حركة حماس لكن النتائج كانت صادمة.
فغزة استطاعت امتصاص بعض هذا الضربات ومراكمة الصمود السياسي والميداني، ومواجهة كافة المخاطر بحكمة واقتدار، بل وتقدمت بنقاط فارقة أمام خصومها، ولا نقول ذلك ترفا ولا في سياق رفع المعنويات، فعلاقة حماس بالفصائل الفلسطينية متينة وقوية وقد فشلت محاولات التحريض وزرع بذور الخلاف، والحروب لم تفضي لتقويض الحكم أو تصفية القطاع، بل خرجت منها حماس قوية ومتماسكة وانتصرت غزة وبيدها صيد ثمين (الجنود الاسرى).
ووسائل الشيطنة خلفت نتائج صفرية بعد أن أدارت الحركة هذه الازمة وطورت علاقاتها مع الأطراف العربية والاسلامية، وفتحت أفاقا جديدة مع محيطها الإقليمي والدولي، فأطراف كثيرة بدت مقتنعة بأن حركة حماس قادرة على إدارة المشروع الوطني، نظرا لطرح وخطاب متوازن قدمته حماس في دعواتها المتكررة، والتي اتسمت بالحرص على الشراكة في البناء والقرار والتحرير.
قد يخالفني البعض بأن هناك من ينظر لها بشكل مختلف وهذا شيء طبيعي في ظل وجود مشروع استعماري خطير يضرب جذوره في المنطقة، فهؤلاء أصلا يرون في أي مكون حي لدى شعبنا خطر يجب مواجهته وازالته سواء فتح أو حماس أو الجهاد والشعبية وغيرها، ولا أريد الاسترسال طويلا في كل النقاط لكنني أقف عند الحصار الذي جعل المقاومة مثلا ومنها كتائب القسام تضرب تل أبيب، في مشهد اهتز له النظام العربي قبل أن تهتز دوائر القرار داخل الكيان، فقد قلبت المحنة السياسية إلى فرصة استراتيجية على صعيد التسليح وتطوير القدرات والتي عززت الموقف السياسي للمقاومة.
بينما كان هناك مشروع أخر يترنح ويسير في نفق مظلم، قائم على المراهنات والمقامرة بالحقوق من خلال (مفاوضات) عبثية خلفت كارثة على الصعيد السياسي، وحققت نتائج مأساوية نحن نعيش أثارها الان، وقد سقط المشروع وأصحابه فلا تسمع لهم إلا همسا، كل ذلك جعل هؤلاء ومنصاتهم الإعلامية يعاودون الكرة بالهجوم على القطاع واستهداف الحركة لأنهم يرونها خطرا وليس شريكا ومن خلفهم أنظمة التطبيع.