غازي أبو دقة
لقد فعلت رياح النصر ما فعلت، وأما رياح المهانة والتلطي في أوحال الهزيمة، فقد سلخت من السودان نحو 670 ألف كم مربع من أراضيها 2011.
بفعل الحركات الانفصالية التي عانت فيها السودان منذ استقلالها عام 1956 في خضم التهاون العربي، والجنوح للاستسلام للصهيونية منذ السقوط في "كامب ديفيد" عام 1978 وما تلاها!
وأخيرا؛ لا أدري كيف تم سلب "زنجبار وبمبا" عام 1965، وكيف تم بيع (غوادر) وسلخها عن سلطنة عمان عام 1958، في عهد السلطان/ سعيد بن تيمور آل بو سعيد/ ولا مين حس ولا مين دري!
أيضا هو الخمول العربي الرسمي؛ الذي فعل فعله في قضم أطراف من الوطن العربي، ولا أنسى هنا أن أشير إلى ما تم قضمه من الجغرافيا العربية، يوم لم تكن عند العرب قوة ولا دولة، كما هو الشأن في بلاد "كيليكيا واسكندرون" وتبلغ مساحتها اكثر من 150 ألف كيلو متر مربع... ناهيك بإمارة "عربستان" شرقي شط العرب، والتي ذهبت في إطار مؤامرة على أميرها الشيخ/ خزعل بن مرداو الكعبي/ عام 1926 كان محورها الشاه/ أحمد القاجار/ آخر شاه من أسرة القاجار في فارس، والملك فيصل ابن الحسين، الذي اعتلى عرش العراق بعد انهيار الدولة العثمانية نهاية الحرب العالمية الاولى 1918، مكافأة من بريطانيا على قيادة ما سمي بالثورة العربية الكبرى عام 1916 إلى جانب الحلفاء، ضد الدولة العثمانية ودول المحور الحليفة لها..
هذا وينتابني الخجل حين أمر باحتلال ايران الشاهنشاهية عام 1970 لجزيرتي " طمب الكبرى، وطمب الصغرى " التابعتين لإمارة رأس الخيمة، وقد أمر حاكمها المرحوم الشيخ/ صقر بن محمد القاسمي/ أفراد مركز الشرطة الخمسة في طمب الكبرى أن يقاوموا أرتال القوات الغازية حتى لا يقال أي شيء آخر، وقد تم سلبها في وضح النهار، دون أن تجد قوات شاه إيران من يلجمها أو يحرك ساكنا! أما الجزيرة الثالثة، جزيرة " أبو موسى " التي تتبع إمارة الشارقة فقد تم التفاوض بشأن احتلالها مع حكومة الشارقة؛ وقد وقع صك الاحتلال الشيخ/ صقر بن محمد القاسمي/ نائب حاكم الشارقة. وهو يتفق في الاسم الثنائي مع حاكم رأس الخيمة، الذي أبا إلا أن يقاوم ويقارع الاحتلال.. أقول هذا للحقيقة والتاريخ.. وبعد أن هدأت الضجة، ومعظمها خارجية، لم تحرك دولة الإمارات العربية المتحدة ساكنا للمطالبة بجزرها المحتلة، في عهد الشاه، الذي كان شرطي الخليج والمعتمد أمريكيا، والمؤكد أنه كان مع قيادة دولة الإمارات على حد سواء في التبعية والولاء لأمريكا. وكأن قائل يقول: مبروك على ال اه، وكأنه شريك أو صديق!
أما وقد قامت الثورة في إيران، وتم خلع الشاه، فقد قامت الأبواق المسعورة تُزْكي نار الخلاف بين نظام دولة الإمارات والثورة التي خلصت الخليج من هذا الشرطي الخليع، والحبيب لمن يدعون "ملكية" الإمارات لهذه الجزر..
هنا يمكنني أن أشهد شهادة مسئولة أن الشيخ صقر بن محمد القاسمي/ حاكم رأس الخيمة، قد وقف مهنئا ومباركا للثورة الاسلامية في إيران، وأكد لآية الله/ محمد صادق خلخالي/ أمين محاكم الثورة الايرانية الذي زار رأس الخيمة، في إطار زيارته لدولة الإمارات، أكد له أن كل مقدرات وامكانيات إمارة رأس الخيمة في خدمة الثورة في إيران. وقد شكره خلخالي على مناصرته ووقوفه الجدي ضد المؤامرات الأمريكية والرجعية التي تتحرك في العلن والخفاء ضد الثورة. وكان هذا بمثابة إعلان طيب نوايا لحل المشاكل بين البلدين بهدوء وبعيدا عن المؤثرات الخارجية الشريرة، وخاصة أن احتلالها تم في عهد الشرطي الأمريكي الشاه المقبور.
ونظرا لحساسية الموضوع اكتفي بهذه الاشارة. وقد حدثت بعض الحلول في هذا الشأن، أرى أن يكون لها مجال آخر!
وأخيرا يبلغ الألم مداه حين تصل المأساة إلى المياه.. عصب الحياة.
أجل؛ إن مصر والسودان حاليا في مواجهة مع الجارة اثيوبيا، التي بنت سدًا ضخمًا على أعالي النيل الأزرق. الذي يمد النيل باتجاه مصر بأكثر من 80 % من مياه النيل! دون أي اتفاق معها، وفي تحد صارخ لأحكام القانون الدولي الخاص بالأنهار المشتركة؛ والمضحك المبكي أن دولا عربية قد مولت بناء هذا السد، لا أدري إذا كان هذا التمويل تم بجهل أم تجاهل! وأن اسرائيل تطل برأسها وجسمها، واثيوبيا تتحدى بكل صلف وعجرفة دولتين عربيتين كبيرتين، كأنَ لا وزن ولا قيمة لهما.. إنه الضعف العربي!
وقبل ذلك، في نفس الصورة قامت تركيا الكمالية في عهد/ عدنان مندريس/ بتجفيف نهرين ينبعان من شعابها الجنوبية باتجاه حلب وريفها في سوريا, وذلك عام 1957 وهما: نهر "قويق"، ونهر "جغجغ" وحرمت هذه المناطق وسكانها وبقية عناصر الحياة فيها من نعمة الماء، دون الالتفات إلى إملاءات الأخوّة وحسن الجوار، والموانع القانونية الأخلاقية والدولية. وهكذا قامت قيامتها أي تركيا لدى إقامة سوريا لسد الفرات؛ وحكمت على سوريا أن يكون مستوى سد الفرات الذي أقامته سوريا في سبعينيات القرن الماضي، أقل من النصف، ثم قامت ببناء سد عملاق على منابع نهري دجلة والفرات، لحرمان سوريا والعراق من كميات مياه هذين النهرين، أثرت سلبيا على الحياة بصفة عامة، في كل من العراق وسوريا!
ومن المزري أن معظم الدول العربية في عصر الذل والمهانة سمحت لهذا العمل أن يمر دون خجل أو وجل... وبقيت سوريا تلعق جراجها، وكأن الألم لا يعني أحدًا...!
الهــزيــمــة يــتــيــمــة، والــنــصــر لـــه ألف أب.