الفلسطيني مقاوم بحكم الواقع المعاش، فحجم الغبن والخذلان الذي تعرض له يجعله غير قادر على النسيان أو الغفران، ويجعل منه متمردًا على الظلم الساقط فوق رأسه، لذلك ترى الفلسطيني حاقدًا على الطغاة، غاضبًا وثائرًا، لا يقبل بالضيم على غيره كما لا يرتضي المهانة لنفسه، وهو عنيد وعنيف وصلب، إذا حشر في الزاوية، يستنفر كل طاقته فيصير فولاذًا وبارود التفجير، لذلك تراه عاشقًا للمقاومة والمقاومين، ويتغنى بالبطولة والأبطال على اختلاف مشاربهم، ويشم رائحة الكرامة والحرية من أنفاسهم، ويتابع سيرتهم، ويتبع مسارهم ولو كانوا على بعد سنين.
الفلسطيني الذي عشق المقاومين في غزة، وتمنى أن يكون بطلًا يتسلل من فتحة النفق، ويجتاز الحدود، يعشق المقاومين خلف الأسوار أيضًا، ويتمنى أن يكون أحد الذين يخوضون بإرادتهم حرب الأمعاء الخاوية، أولئك الرجال الذين أعادوا الفلسطيني إلى أمجاده العربية، وأيقظوا في وجدانه قيمته الإنسانية، فصاروا القدوة له رغم سجنهم، وصاروا القادة له رغم بعدهم، وصاروا القوة له رغم ضعفهم، وهم يجسدون بإضرابهم المفتوح عن الطعام آيات قهر المستحيل، وبرهان الانتصار على جبروت الطغاة دون عويل، والتكذيب لكل ما دون ذلك من أقاويل.
الأسرى المضربون عن الطعام هو الموضوع الأهم للشعب الفلسطيني، وهو مركز انتباه الشباب والصبايا الذين يقطرون غضبًا لوجع الأسرى، فالإضراب هو الموضوع الأسخن في الساحة الفلسطينية، وله علاقة وثيقة بالمقاومة، وانتقال عدوى التمرد إلى كل المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية وغزة، لأن أمر الأسرى يمس عصب القضية السياسية، ويمسح الصدأ عن معادن الوطنية، لذلك فإن إضراب الأسرى في السجون هو أفضل هدية تقدم لفلسطين في هذه المرحلة، وهي نقطة التقاء كل القوى السياسية والتنظيمات الفلسطينية، وهي وثيقة الحرية والوحدة التي يقدمها الأسرى للشعب الفلسطيني سنة 2017، وهم الذين قدموا وثيقة الأسرى للوفاق الوطني، تلك الوثيقة التي أجمعت عليها كل التنظيمات الفلسطينية سنة 2006.
إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام معركة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، ونتائجها لن تقتصر على حياة الأسرى خلف الأسوار، نتائج معركة الإضراب لها أبعادها السياسية على مجمل القضية الفلسطينية، لذلك حرصت الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها الأخير على تجاهل موضوع إضراب الأسرى، بل طالب نتنياهو القيادة الفلسطينية بوقف صرف مخصصات الأسرى والجرحى، في خطوة سياسية لا تعكس تجاهل مطالب المضربين عن الطعام، وإنما تبرئ ساحة الإسرائيليين من الإرهاب، وترفع عن ظهر الغاصبين عصا القانون الدولي.
وفي المقابل، فإن إضراب الأسرى وثيقة حرية وكرامة، تستوجب توحيد المواقف إذا استحال في هذه المرحلة توحيد البرامج والرؤى، فالإضراب بمثابة دعوة مفتوحة إلى كل التنظيمات الفلسطينية لتنحي جانبًا الخلافات الداخلية، وأن تدير الظهر للانقسام ولو مؤقتًا، ليلتقي الجميع على برنامج موحد لدعم انتفاضة السجون، فالشعب الفلسطيني كله في حرب مع أعدائه، وهو بحاجة إلى كل الطاقات، وكل افتعال لمعركة جانبية هو خيانة للعهد، والتفاف على إضراب الأسرى، وطعنة نجلاء توجه لأولئك الذين ضحوا بأعمارهم، وصبوا مستقبلهم عطرًا في قوارير الوطن.