دولة الكويت من أكثر الدول التي وقفت معنا وقدمت لنا كل أشكال الدعم المالي والسياسي، وهي إذ تفقد أميرها المرحوم الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح فإن فلسطين أيضًا تشعر أنها فقدت واحدًا من أهم وأقوى الذين قدموا الدعم لها، وأن الشيخ الراحل هو فقيد فلسطين أيضًا كما هو فقيد الكويت.
تستوقفنا الكويت في كل مرة تعلن فيها بملء فمها تأييدها الصريح والواضح للقضية الفلسطينية، وتعيد الزهو العربي حين تؤكد أن قضية فلسطين "قضية مركزية في السياسة الكويتية"، في حين تلح بعض الدول العربية على التعامل مع العدو الإسرائيلي كصديق للأمن والسلام، وآخرها دولة الإمارات العربية التي قررت التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي رسميًّا بعد سنوات من التقارب المتستر.
استقبلت الأنظمة العربية هذه الخطوة إما بصمت وإما باحتفاء وإما برفض قاطع، وكانت الكويت إحدى الدول التي لم تدل حكومتها أو ديوانها الملكي بتصريح رسمي، لكن ذكرت مصادر حكومية كويتية مطلعة لصحيفة "القبس" أن "موقف الكويت من التطبيع مع الكيان الصهيوني ثابت، ولن يتغير"، وذلك بالتزامن مع إصدار سبع قوى سياسية كويتية بيانًا مشتركًا يقول: "نعلن بشكل لا يقبل اللبس، أن التطبيع خيانة وليس وجهة نظر، والاعتراف بالكيان الصهيوني (إسرائيل) هو جريمة بحق فلسطين وأهلها والأمة العربية والإسلامية".
لاقت هذه التصريحات انتقادًا مباشرًا من جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي الذي وصف الموقف الكويتي بـ"المتطرف"، وسابقًا قال لسفير الكويت في واشنطن عام 2018 إن بلاده "خارج الإجماع العربي"، رغم أن مواقفها جميعها تجاه القضية الفلسطينية هي المعنى الحقيقي للإجماع العربي.
واذا ما استرجعنا سجل العلاقات الكويتية -الفلسطينية نجده من أطول السجلات الحافلة بالأحداث، وقد كانت بداية انطلاقة الثورة الفلسطينية تحديدًا من الكويت، كما أن هذه الدولة الصغيرة الحجم الكبيرة الدور والتأثير والنفوذ، قدمت لنا على مدار السنوات كل الدعم ولم تشارك بالتطبيع أبدًا، بل كانت ضد الاحتلال بكل أشكاله، ومن أبرز المواقف السياسية ما حدث في المؤتمر الدولي للبرلمانات الذي انعقد في روسيا، وحضره رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم مخاطبًا المندوب الإسرائيلي قائلًا: أخرج من القاعة أيها المحتل القاتل. كما أن الغانم أمسك بنسخة من «صفقة القرن» وألقى بها في سلة النفايات وقال: إن هذا هو مكانها الحقيقي، ولتسمع أميركا وليسمع الرئيس ترامب ما أقوم به. وأضاف: أسأل المتخاذلين هل لأننا عجزنا عن نصرة الشعب الفلسطيني بالسلاح نتخلى عنه بكل أنواع التأييد...؟
لعل أبرز أوجه الدعم الكويتي للقضية الفلسطينية، فقد ساهمت الكويت في دعم القضية الفلسطينية بكل الأدوات التي تملكها، فقد تمكنت من خلال عضويتها المؤقتة في مجلس الأمن تحقيق بعض النجاحات الدبلوماسية، إذ قال مندوب الكويت منصور العتيبي ذات مرة: "دولة الكويت تعهدت قبل أن تتسلم مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن مطلع عام 2018 ببذل كل المساعي والجهود لدعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين وأن هذا التعهد يأتي انطلاقًا من التزام الكويت في حمل هموم وتطلعات الشعب الفلسطيني".
أفشلت الكويت مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة لمجلس الأمن، يتضمن إدانة لحركة المقاومة الفلسطينية في غزة، وتحديدًا حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، يضاف إلى ذلك، دعوتها إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن عام 2018 لبحث الوضع في غزة بعد قتل (إسرائيل) 62 فلسطينيًا وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف آخرين في مسيرات العودة قرب السياج الفاصل.
إلى جانب ذلك، اعتمدت الكويت على المقاطعة في التعبير عن موقفها تجاه الشأن الفلسطيني، ففي 24 من يونيو/حزيران دعا مجلس الأمة الكويتي إلى الانسحاب من مؤتمر البحرين باعتباره تمهيدًا لصفقة القرن وتضييعًا للحقوق العربية في فلسطين وتكريسًا للاحتلال الإسرائيلي، ثم تبع هذه الخطوة تصريح من وزير الخارجية الكويتي صباح الخالد يقول فيه: "نقبل ما يقبل به الفلسطينيّون، ولن نقبل ما لا يقبلون به"، كما قاطعت سابقًا مؤتمر ريادة الأعمال الدولي في البحرين في 18 من إبريل/نيسان على خلفية مشاركة وفد إسرائيلي.
أما اقتصاديًا، فقد أعلنت حكومة الكويت عام 2014 أنها لن تتعامل مع 50 شركة بسبب دورها في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية بالأراضي الفلسطينية المحتلة في خطوة رحب بها نشطاء باعتبارها نجاحًا بارزًا لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).
ومع إعلان خطة "صفقة القرن" الأمريكية أبقت الكويت على خطابها التأييدي للقضية الفلسطينية في المنصات الدبلوماسية، إذ أعلن مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، رفضه القاطع، داعيًا إلى اتخاذ موقف عربي وإسلامي ودولي وداعم للشعب الفلسطيني على اعتبار أن هذا الاتفاق "يتضمن تنازلًا مرفوضًا عن الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في الأراضي المحتلة"، مؤكدةً أن الحل العادل للقضية الفلسطينية لا يتحقق إلا بقرارات الشرعية الدولية.
بعيدًا عن الدبلوماسية الشكلانية، فإن القانون الكويتي (صدر عام 1964) يحظر التعامل مع الإسرائيليين أفرادًا وشركات ويمنع حتى التعامل مع من يعملون لمصلحة الاحتلال، وهو القانون الذي كان سببًا في تفجير جدلًا في قوانين الطيران، ففي عام 2016 تقريبًا حجز راكب إسرائيلي رحلة من فرانكفورت إلى بانكوك، يتخللها محطة توقف في الكويت، حيث كان من المفترض أن يركب طائرة للخطوط الكويتية تقله إلى وجهته النهائية لكن بمجرد علم الشركة الكويتية بجنسية الراكب، ألغت الحجز مباشرة.
وفي هذه الأثناء، يأتي الموقف الكويتي تجاه التطبيع الإماراتي مع المحتل الإسرائيلي مجددًا كمعز للشعب الفلسطيني الذي يبدو أن الدعاية الأمريكية الإسرائيلية نجحت جزئيًا في تهميش قضيته مقابل توجيه تركيز حكام الخليج على التهديد الإيراني في المنطقة والتعامل مع (إسرائيل) على أنها السبيل الأمثل إلى تحقيق السلام والأمن والازدهار الاقتصادي، مع شرعنة عدوانها المستمر على الفلسطينيين وتجاهل حقيقتها بكونها كيانًا غير شرعي واستعماري في الأساس.
لك الرحمة أيها الشيخ الجليل الراحل، ولدولة الكويت كل مشاعر المواساة والمشاركة بأحزانهم، مع التمنيات للأمير الجديد بكل التوفيق والنجاح.