١٧ عامًا من التقاء موهبتي سمسم وزعتر، لتكن تلك المدة بشهورها وأيامها كفيلة أن تنبش بداخلهما حس المسئولية، ليقفا عند دورهما في تلك الأزمة التي تمر بها البلاد بفعل جائحة كورونا، وحالة الطوارئ التي تفرضها وإغلاق المدارس، فكان حتمًا عليهما بملابسهما الملونة بألوان مبهجة، وأنوفهما الدائرية الحمراء أن يخرجا للأطفال بمقاطع فيديو أو بث مباشر عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" ليرفها عنهم، وفي الوقت ذاته يوصلا عبر اللعب الرسائل التربوية والتعليمية.
من خلف أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية يسعى المقدسيان عزت النتشة (35 عامًا) المتخفي وراء شخصية "سمسم"، ورفيقه في العمل داود طوطح الذي يعرف بشخصية "زعتر" (40 عامًا)، بروحهما الخفيفة إلى خطف قلوب وعيون الأطفال متابعيهم كما لو أنهما أمامهم على المسرح.
وبأسلوبهما الارتجالي البسيط يتمكنان من رسم ابتسامة عريضة على وجوههم البريئة، ليخرجاهم من حالة القلق والضغط والملل التي سببتها لهم كورونا في ظروف جديدة أكبر من وعي طفل يحب صديقه واللعب معه ولا يعرف كيفية تطبيق التباعد الجسدي، إلى جانب فرض نظام تعليمي جديد.
ويقول النتشة لصحيفة "فلسطين": "بدايتي مع داود كانت مصادفة تقريبًا، فكلانا كان يعمل متطوعًا في إحدى الجمعيات، ويظهر على ملامحنا وشخصيتنا حب التهريج والضحك، خاصة أنه بعد انتهاء مرحلة التوجيهي توجه للمسرح، أما أنا فحتى هذا اليوم لا أستطيع أن أفسر سبب عملي مهرجًا، ما يمكن قوله إني أشعر أن بداخلي ذلك الشخص الفكاهي الذي يحب إضحاك الناس".
تفاجأ كلاهما عندما طلب منهما صاحب المؤسسة المتطوعَين فيها فقرة عرض تهريجي بالاحتفال، نظر كلاهما إلى الآخر، وتبسما، وفكرا من أين سيحصلان على ملابس المهرج، فغير موجودة في مدينة القدس التي تعاني ويلات الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك لن يضيعا الفرصة من أيديهما، فأحضر كلٌّ منهما ملابسه ولونها بألوان الفرح، كرة التنس الصغيرة لوناها بالأحمر وعلقاها على أنفيهما بخيط مطاطي.
وبعدها أسسا فرقة شبابيك الفنية لتقديم العروض في مجال التهريج والمسرح، ليكونا بجانب الناس في مناسباتهم السعيدة، وفي العروض الفنية للأطفال والكبار، فقد أخذا على عاتقهما رسم الابتسامة على وجه الجميع، متحديين كل العقبات التي تواجههما بفعل الوضع الاقتصادي لأهالي المدينة.
ويقول النتشة لصحيفة "فلسطين": "بدأنا تقديم عروض في مسارح المدينة والمدارس، والقليل للحفلات الخاصة حتى استطعنا أن نحصل على جمهور واسع".
ومنذ أن وطئت أقدامهما هذا الطريق اتخذا على عاتقهما ألا تقتصر العروض على الضحك، ولا بد أن يكون لها مغزى تربوي، فالعروض الترفيهية حملت عناوين توعي الأطفال النظافة والطعام الصحي واحترام الكبير، وخطورة الألعاب النارية، وغيرها من السلوكيات، فعملا على تعزيز الصحيحة وتغيير الخطأ.
ويوضح النتشة أنه أيضًا خلال الحجر المنزلي اعتمدا في تقديم عروضهما على الرسائل التربوية التي تتلاءم مع طبيعة المرحلة كالاهتمام بالتعليم الإلكتروني، والحفاظ على النظافة والتعقيم، وارتداء الكمامة، والتباعد الجسدي وغيرها، وفي الوقت ذاته تكون بأسلوب مضحك.
ولم تخلُ عروضهما من الأناشيد والمسابقات الطفولية التي تتعلق بالمدينة المقدسة والبلدة القديمة ليجدد الطفل معلوماته، ويقوى ارتباطه بالقدس.
وفي أثناء البث المباشر وتعليقات الأطفال والأهالي يرتجل سمسم وزعتر بتأليف أناشيد تحمل أسماء الأطفال ليجذباهم بأسلوب شائق، رغم أنهما يفقدان التواصل البصري المباشر، وأحيانًا يحدث هذا النوع من التواصل شرخًا لكونه غير مباشر.
ويحمل النتشة وطوطح شهادة دولية مهرجين طبيين، لكنها مهمة صعبة عليهما، فعليهما أن يضحكا المرضى رغم المشاهد الصعبة والموجعة التي يريانها في المستشفيات، فيعودان إلى بيتهما بوضع نفسي صعب.