للوطن العربي كتلة من اليابسة تتوسَّط العالم من الناحية الموقعية، بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب على مساحة تبلغ نحو 13 مليون كيلو متر مربع؛ تمتدّ قليلًا بين 39 خطًا من خطوط العرض شمالا وجنوبا، وعلى 60 خطًّا من خطوط الطول شرقا و17 غربًا، يُستثنى من ذلك جزر القمر التي تقع على مسافة 12 خطًا جنوب خط الاستواء، وقد كان إلى وقت قصير أكثر من ذلك، بسبب تردي الوضع السياسي العربي، وعمق المؤامرة التي تتربص به دائما، مستهدفة تمزيقه وتحطيمه، ليكون لقمة سائغة تلبّي جملة من الأطماع السياسية، وما يتبعها من أغراض في نهب ثروتها، والتحكّم في استراتيجية موقعها المتفرد..
هذه الكتلة التي تتربع جغرافيًّا على ضفتي البحر الأبيض المتوسط الشرقية والجنوبية، لنهاية قارة آسيا الجنوبية الغربية، ونهاية قارة أفريقيا الشمالية وطرفها الأطلسي غربًا..
إن هذه الجغرافيا، بموقعها الاستراتيجي وما تتوفر عليه من خيرات كانت وما زالت مطمع الطامعين والغزاة منذ أقدم العصور التاريخية؛ فقد تعرضت لأطماع الإغريق من الغرب والفرس من الشرق منذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد، ثم الرومان بعد ذلك، إلى القرن السابع الميلادي حتى جاء الاسلام وحررها ثم الغزو الصليبي القادم من الغرب في القرن العاشر الميلادي، ثم الغزو التتري المغولي القادم من الشرق في منتصف القرن الثالث عشر 1258، وقبل ذلك غزو الأحباش لليمن في القرن السادس الميلادي (525 – 599 ) إلى ما قبل الاسلام بقليل...
وعليه فإنَّ الوطن العربي يأتي الثاني في المساحة بعد روسيا التي تبلغ مساحتها 17.5 مليون كيلو متر مربع، تمتد من بحر البلطيق غربا الى مضيق "بهرنغ" شرقا المرتبط بالمحيط الهادي (الباسفيك)، وتسمى الكتلة (الأوراسية) أي الآسيوية الأوروبية.
ويحلو لبعض علماء الجيوبوليتك أن يطلقوا على الوطن العربي (القارة العربية) بحكم اتصالها واتساعها جغرافيًّا وعدم وجود عوائق لحركة السكان ذات الأصل المشترك، والحياة المشتركة ثقافيًّا واجتماعيا وعرقيًا.. فما أن تكون عوامل التوفيق واحدة أو متشابهة، فإن التكامل هو الأكثر ملاءمة لوصفها من كل الوجوه..
وهكذا؛ تؤكد الجغرافية والوقائع الاجتماعية أهمية هذا الوطن، وعمق الحضارة وغناها بما حباه الله من امتدادات شرقية- غربية، تتحدَّث بلغة واحدة هي اللغة العربية ومشتقاتها، التي درجت على ألسنة من اعتنقوا الإسلام، شركاء العرب في الأصل، في فترات ما قبل العربية الصريحة، الذين انتشروا انطلاقا من الجزيرة العربية في العصور الغابرة إلى النطاق الجنوبي الأفريقي للبحر الأبيض المتوسط، شمال النطاق الصحراوي أي الصحراء الكبرى، بدءاً من تخوم مصر الغربية، وانتهاء بساحل المحيط الاطلسي، والذين عرفوا "الأمازيغ" الذين اندمجوا مع اخوانهم الفينيقيين؛ وقد عرفوا بـ"البونيقيين" منذ منتصف الألف الأخير قبل الميلاد في محيط " قرطاج " و"نوميديا " و" المورو " الذين سرعان ما ائتلفوا مع اخوانهم الفاتحين برسالة الاسلام نحو منتصف القرن السابع للميلاد، وقد درجت على ألسنتهم لغة القرآن والبيان، إلى جانب ألسنتهم التي عرفوا بها، ألا وهم ما يعرفون بـ(القبائل) و(الشلوح) و(الطوارق) في كل من مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. ولا ننسى أن بعض تخوم الجزيرة العربية ما زالت تتكلم بألسنة من العربية غير الصريحة (أي لغة يعرب بن قحطان). هذه الأقوام هي: (الشحوح) على أطراف الحوض الجنوبي ومضيق هرمز للخليج العربي، و"الحراسيس" في جبال "ظفار" جنوب غرب عمان في ارتباط مع ساحل الجنوب اليمني حيث اللغة (المهرية ) في "المَهرة" واللغة " الشحرية " عند شعب الشحر وألسنة اخرى من العربية ما قبل القديمة اندثرت مع الاتصال والانفتاح على الناطقين باللسان العربي المبين؛ أي بلغة القرآن الكريم ..
وهناك بعض القبائل النيلية التي عبرت في وقت متقدم الى ما وراء باب المندب غربًا بلهجاتها ورطانتها التي كانت تلهج بها في الجزيرة العربية قبل هجرتها، في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد مثل قبائل "النوبة" و"البجة" و"الدناقل" و"الهدندوة"، وغيرها ما زالت ترطن بها بسبب عزلتها وبعدها عن الناطقين باللسان العربي الذي عمّ كل الربوع بين الخليج العربي والمحيط الأطلسي.
هذا وللحديث بقية في تكاملية الوطن العربي.