تلك الورود الطبيعية التي تبعث الجمال في النفس بفعل رائحتها الزكية التي ترمز لكل ما هو جميل حيث الحب والمودة والاحترام والتقدير بين العائلات والأفراد في مناسباتهم الحزينة قبل السعيدة، تحولت حقولها بعد أن ظهر فيروس كورونا في قطاع غزة إلى بيئة حزينة، فقد أصبحت طعامًا للحيوانات في ظل توقف المناسبات الاجتماعية وفرض الإجراءات الوقائية.
كما الذي يترقب ولادة طفله، انتظر المزارع ماهر أبو دقة –صاحب خمسة دونمات- ما يقارب ثمانية أشهر وهو في حالة متابعة لتلك الشتلات الزراعية، حيث اعتنى بها ورعاها كما طفله المدلل، حينما جاء موعد القطاف انصدم بالحال الذي وصل إليه الورد ليكون علفًا للحيوانات، أو في مكبات النفايات؛ وفق قوله.
يزرع أبو دقة أصنافا مختلفة من الورد كالجوري واللافندر، والفل والياسمين وغيرها، واليوم تواجه -كما يقول- الحرق أو أن تكون طعامًا للحيوانات فتُتلف كميات كبيرة منها يوميا بسبب كورونا، بعد أن كانت تباع لمحلات الزهور لتزين صالات الأفراح والسيارات، وفي مناسبات التخرج وغيرها.
فإتلاف الورد بهذه الطريقة وصفه ب"القاسي"، وبمجرد أن ترى عيناه ذلك فإنه يشعر بنيران تشتعل في قلبه، "دمي بينحرق عليها وأصاب بحالة إحباط شديد لما أشوف تعبي راح بغمضة عين".
يروي أبو دقة لصحيفة "فلسطين" مأساته التي ألمت به واشتعلت حرقة في قلبه، ولا يطفئها شيء: "كانت بداية حكايتي بعد عدوان 2014م، حيث منذ فترة وأنا أعاني من البطالة رغم أني خريج تنمية اقتصادية واجتماعية، ففكرت كثيرًا في مشروع لأتخلص من المشكلة وأعتاش منه وعائلتي، فارتأيت فكرة إنتاج زهور القطف بدلًا من استيرادها من الاحتلال الإسرائيلي".
حفر بيده وأسنانه التربة، وغرس البذرة في قلبه قبل أرضه، وزرع ما يقارب 10 أصناف مختلفة لأول مرة متغلبًا على مشكلة المبيدات الحشرية والأسمدة والأيدي العاملة، ومستثمرًا وجود الإمكانات، والتربة المناسبة، فخرج بمنتج يعادل المستورد، وأصبح يوزع على محافظات القطاع، ولم تعد غزة بحاجة إلى استيراد الزهور محققًا مع مزارعين آخرين اكتفاءً ذاتيًا، من خلال منتج وطني.
ويضيف: "تُلم بي اليوم كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ففي المرة الأولى تكبدت خسائر مادية بقيمة 80 ألف دولار، وبلغت هذه المرة 100 ألف دولار، هذا عدا عن الأزمة النفسية التي تلحق بي"، إلى جانب أنه فقد مصدر رزقه؛ وفق قوله.
والذي يزيد الطين بلة أنه مدين لمحلات الأسمدة والمبيدات الحشرية، وملتزم بدفع أجور خمسة عمال، هذا عدا عن فواتير المياه العذبة والكهرباء، وغيرها من النفقات والخسائر.
وكان أبو دقة قد دعا أصحاب المبادرات لاستثمار الورود وتوزيعها على الأطباء ورجال الأمن والمرضى لما له من أثر نفسي جميل، لكن ذلك لم يمكنه من تجاوز الأزمة التي حلت بمزروعاته.