فلسطين أون لاين

الازدراء الأميركي الإسرائيلي للإمارات

كان أحد أهم الأسباب المعلنة لمسارعة الإمارات إلى "تطبيع شامل" لعلاقاتها مع (إسرائيل) الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، وتوقيع اتفاقية سلام معها في 15 الشهر الجاري، أن أبو ظبي تطمح إلى الحصول على أسلحة أميركية متطوّرة، غير أن القوانين الأميركية لا تسمح بتزويد تلك الأسلحة لأي دولة في الشرق الأوسط لا تقيم علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل). وفعلاً، ما إن وُقِّعَت الاتفاقية في واشنطن، حتى تصاعد النقاش أميركياً وإسرائيلياً بشأن طلب الإمارات بيعها طائرات أف - 35 التي تُعَدّ الأفضل عالمياً، حيث تتمتع بمزايا قتالية عالية جداً.

 

صحيحٌ أن الرئيس الأميركي، ترامب، أعرب عن رغبته في بيع الإمارات تلك الطائرة الحربية باهظة الثمن، إلا أن أصواتاً في الولايات المتحدة و(إسرائيل) عبّرت عن قلقها الشديد من أن يمسّ ذلك التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي في المنطقة. و(إسرائيل) هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك هذا النوع من الطائرات، تسلمت دفعة أولى عام 2016، وهي تمتلك 26 منها، وفي طريقها إلى 50. وعلى الرغم مما قيل عن موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، على تزويد الإمارات بهذه المقاتلة، إلا أن ذلك لا يعني أن المؤسستين، الأميركية والإسرائيلية، ستقدمان على ذلك من دون تعديلات تضمن بقاء تفوق (إسرائيل) العسكري في المنطقة. وكما قال مسؤول أميركي كبير، فإن صفقة أف - 35 مع الإمارات "لن تتم إلا إذا لم تعرّض أمن (إسرائيل) للخطر". وهذا بيت القصيد.

سنّ الكونغرس في عام 2008 قانون "التفوق النوعي العسكري" لـ(إسرائيل) في المنطقة. ويشترط على أي إدارة أميركية ضمان قدرة (إسرائيل) على "مواجهة وهزيمة أي تهديد عسكري تقليدي حقيقي من أي دولة بمفردها، أو تحالف محتمل بين دول، أو من أطراف من غير الدول". واليوم تجد الإدارة الأميركية نفسها رهينة هذا القانون الصارم الذي لا يمكنها تخطّيه، وهي أصلاً لا تريد ذلك، وهو ما مكّن (إسرائيل) من ابتزاز الولايات المتحدة، في وقتٍ تحصل فيه إدارة ترامب على ما تريد من المال الإماراتي السخي، أو قل السائب، ولكن من دون تمكينها من تهديد (إسرائيل) أو منافستها إقليمياً.

 

وفي سبيل تهدئة مخاوف (إسرائيل) المزعومة، الإمارات أمام خيارين، إذا أرادت طائرات أف -35. الأول، تعديل المقاتلات التي سيجري تصنيعها لها، بحيث تكون أقل كفاءة تكنولوجياً وقتالياً، لضمان تفوق المقاتلات الإسرائيلية عليها. ويقول الخبراء العسكريون الأميركيون إن الولايات المتحدة تملك القدرة أصلاً على التحكّم بمستوى الكفاءة القتالية والتكنولوجية لهذا النوع من الطائرات، بناءً على الرموز التي تُعطى للطيارين أو الدول للتحكّم بها. وبناءً على ذلك، ما من دولة حليفة للولايات المتحدة تملك مقاتلات من هذا الطراز تعادل، من حيث الكفاءة القتالية والتكنولوجية، التي يستخدمها سلاح الجو الأميركي. الثاني، أن تزوّد الولايات المتحدة (إسرائيل) برادارات خاصة قادرة على رصد المقاتلات الإماراتية من طراز إف - 35، على الرغم من أن إحدى أهم ميزات هذه المقاتلة أنها قادرة على تفادي الرصد بأجهزة الرادار، ولذلك توصف بـ"الشبح".

ويتعدّى الاستخفاف الأميركي بالإمارات ذلك الحد إلى إعطاء شركات إسرائيلية عطاء تصنيع بعض أجزاء المقاتلات التي ستصدّر إليها. والمفارقة أن أبو ظبي تعدّ نفسها حليفة للولايات المتحدة على مستوى (إسرائيل) في المنطقة! وحسب تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، فإن شركة "الصناعات الجوية" الإسرائيلية هي من ستتولى صناعة بعض أجنحة الطائرات التي تريدها الإمارات، وعددها 24 مقاتلة، بقيمة ثلاثة ملايين دولار للجناحين. وحسب الصحيفة، سيوكل إلى شركة "إلبيت" الإسرائيلية، بالتعاون مع أخرى أميركية، حق تصنيع خوذ متطوّرة للطيارين، بقيمة 400 ألف دولار للخوذة الواحدة. غير أن ثالثة الأثافي، تصريح السفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، بأن الإمارات لن تحصل على هذه المقاتلات قبل سبع سنوات! الأمر الذي يشرح ما عناه وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبر، عند استقباله الثلاثاء الماضي نظيره الإسرائيلي، بيني غانتس، بقوله: "أقول للجميع منذ البداية، إن حجر الزاوية في علاقتنا الدفاعية هو الحفاظ على التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة". ما يعني أن طائرات أف - 35 المصنّعة للإمارات، والمعدّلة لناحيتي الكفاءة القتالية والتكنولوجية، ستكون بعد سبع سنوات جزءاً من الماضي!

يؤكّد ما سبق أن الإمارات، مهما حاولت أن تتصهين في خطابها وسلوكها في المنطقة، لن تحظى أبداً بمكانة (إسرائيل) في واشنطن. أقصى ما يمكن أن تطمح إليه أبو ظبي، أن تحظى ببعض الرضى الأميركي، من خلال التواطؤ التام مع (تل أبيب)، والتماهي مع أجندتها. هذا لا يعني أن الإمارات لن تحقق شيئاً من صفقة المقاتلات هذه، فبالإضافة إلى إشباع نهم ترامب المالي، فإنها قد تستخدم هذه الطائرات في المستقبل لإنزال الموت وإحداث الخراب في دول عربية وإسلامية أخرى، كما فعلت وتفعل في اليمن وليبيا، وقبل ذلك في أفغانستان. وفي موضوع إيران، لا تصدّقوا أن أبو ظبي ستجرؤ وحدها على مهاجمتها من دون إعلان حرب أميركية عليها. وبهذا، تريد الإمارات التي تضغط بشدة لإبرام الصفقة قبل عيدها الوطني، في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أن تجعل من نفسها خفيراً عربياً لدى الطامح إلى لعب دور شرطي المنطقة، (إسرائيل)، فيما تتخفّف أميركا من مسؤولياتها هناك، للتركيز أكثر على الخطر القادم من الشرق الأقصى، الصين.