فلسطين أون لاين

بيد واحدة ترسم "سجود" حلم "الفراشة"

...
تصوير/ ياسر فتحي
غزة- مريم الشوبكي:

بيد واحدة أخذت ترسم حلمها، كأنها طفلة بضفيرتين تقفز بكلتا قدميها في الهواء تلعب "نط الحبل"، يداها مفتوحتان للمستقبل كما تتمناه، بألوان زاهية مفعمة بالحيوية لونت رسمتها، هكذا تحلم سجود قدادة بأن تكون فراشة تفعل ما يحلو لها.

لكن سجود طفلة ولدت بيد واحدة وقدم واحدة في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، إعاقتها لم تكن حاجزًا بينها وبين مواهبها في الرسم وإلقاء الشعر والتمثيل.

سجود (10 أعوام) عالمها تتشاركه مع توأمها سجى التي تساعدها في كل أمر يصعب عليها فعله، وفي تمثيل مشاهد تبني هي فكرتها وتنفذها مع توأمها، وآخرها كان فيديو توعويًّا عن فيروس "كورونا".

بين عيادات الأطباء قضت والدتها "ميسون" ثماني سنوات تبحث عن بصيص أمل لإنجاب طفل يكون أخًا لطفلها الوحيد خالد، تروي تفاصيلها: "واجهتني بعض المشاكل في الإنجاب، لذا اتجهت إلى عملية زراعة الأجنة ولم تسعني الفرحة حينما نجحت، ولكن شهور حملي مرت قاسية وكلها تعب وإجهاد، ولم يكتشف الأطباء التشوهات التي لحقت بأحد جنينَيّ".

جاءت اللحظة التي انتظرتها على مدار السنوات الطوال، تضيف لصحيفة "فلسطين": "ولدت سجود وأختها سجى، لكن الصدمة كانت هي سيدة الموقف حينما رأيت سجود بيد واحدة وقدم واحدة، فقط تملكني الخوف".

"ابنة قلبها"

ثم أخذت ميسون ابنتها واحتضنتها وأصبحت ابنة "قلبها"، لم تستحيِ من إظهارها للمجتمع الذي كان يقسو بعضه في أحيان كثيرة عليها، تقول: "حينما كنت أتردد إلى العيادة لإعطاء سجود التطعيمات الدورية، كانت سيدات ينظرن إليها باستغراب ويطلبن مني تغطية قدمها ويدها حينما كنت ألبسها بنطالًا قصيرًا وقميصًا بلا أكمام".

كانت هذه المواقف تهز قلبها الموجوع ألمًا على حالة ابنتها وتذرف معه الدموع، ولكن مع مرور الأيام قوي قلبها ولم تعد تعير هذه المواقف اهتمامًا، ووجدت نفسها بين خيارين إما إهمالها أو احتضانها ورعايتها والاهتمام بها ومواجهة المجتمع بكل قوة.

أصبحت تبحث عن علاج لطفلتها في أي مكان، وتذهب إلى ملاقاة أي وفد طبي أجنبي يختص بالعظام والتشوهات الخلقية.

أمل اقتنصته ميسون من طبيب عظام أمريكي كان ضمن وفد أطباء أجنبي قدم إلى قطاع غزة، تتابع: "قرأت قدرًا عن زيارة هذا الوفد، فذهبت لملاقاته دون موعد، كانت تبلغ سجود حينها عامًا ونصف عام، شخص لي الطبيب أنها تعاني خلعًا في المفصلين الأيمن والأيسر وطلب مني إجراء عملية عاجلة لها".

كانت سجود تتألم كثيرًا حينما تجلس، لذا كانت تبقى طوال الوقت مستلقية على ظهرها، وهذا أصابها بتسلخات زادت آلامها، فكانت الأم تضطر إلى احتضانها طوال الوقت لتخفف من هذه التسلخات.

وتكمل ميسون: "استطعت الحصول على تحويلة علاج في مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة، وهناك أجريت لها عملية جراحية، والعملية الثانية ستجرى لها حينما تتم 12 عامًا؛ لأن عظامها ستكون أقوى".

والطبيب ذاته عاد مرة أخرى إلى القطاع، فتوجهت فورًا إليه ميسون، طمأنها على حالة طفلتها وأن بإمكانها أن تركب لها طرفًا صناعيًّا، ولكن يلزم بتر جزء من قدمها حتى تتمكن من ارتداء الطرف دون ألم.

تمكنت ميسون مرة أخرى من الحصول على تحويلة علاج في مستشفى المقاصد، وتبين أن "فاعلي خير" من الأراضي المحتلة سنة 1948م تبرعوا بـ25 ألف شيقل ثمن الطرف الصناعي.

وتوضح أنها بباقي أموال المتبرعين افتتحت روضة باسم سجود الأمل، لأنها فكرت في حالة سجود ووضعها مستقبلًا، فإنها ستكون بحاجة إلى مشروع تستند إليه وتديره حينما تكبر.

تحرص ميسون على دمج سجود في المجتمع وتقديم الدعم النفسي لها بالتواصل مع اختصاصيات نفسيات، لكي تقوي شخصيتها، لتواجه المجتمع مستقبلًا.

لكن سجود تحتاج كل عام ونصف إلى طرف صناعي جديد بالمبلغ ذاته، وهذا يفوق إمكاناتها المادية؛ فهي لا تستطيع توفيره، أما الطرف الصناعي الذي ركب لها فلا تستطيع اللعب والسباحة به بشكل مريح، وكسر أخيرًا وهي تقفز به على لعبة "الترامبولين".

تحلم ميسون أن تتوافر لابنتها فرصة علاج في الخارج، تمكنها من ممارسة حياتها طبيعيًّا لتودع الآلام والأوجاع، وتقوم باحتياجاتها اليومية دون مساعدة من أحد، وتتمكن من الحركة والقفز كباقي أقرانها.

ستبقى "سجود" ترسم حلمها بالقفز والحركة بحرية، على أمل أن يتحقق هذا الحلم يومًا ما.