بين أبي جهل وأبي لهب
إفرحي يا أمة العرب .. على مساحة تعتبر الثانية في العالم بعد الكتلة الروسية.. أمة العرب تتربع على نحو 13 مليون كيلو متر مربع؛ أما بلاد "المسكوب" فهي 17,5 مليون كم..
أما كمية " الأنفار" عندنا فهي نحو 300 مليون نفر؛ أي ضعف العدد عند "المسكوب" , مع الفارق بين الكم والنوع..!! وفارق كبير بين صحاري الثلوج والصقيع , وبين الرمال و الدفء الحرارة الشديدة..!! كما الفارق بين وسط العالم وأقصى العالم..!
وكما الفارق أيضا بين دولة عظمى ودويلات ودول لا قيمة لها ولا وزن ..!! كمية من الأنفار كبيرة وقلة بركة...!!!
هذه الجغرافية العربية ؛ وصفها " الجيوبوليتك الألمان" في القرن التاسع عشر بـ "القارة العربية" ؛ ومن حيث الموقع قالوا إنها "الشرق الأدنى" قبل أن يتعرفوا على المقاييس الجغرافية للمياه واليابسة, فتصبح تحت مسمى الشرق الأوسط , الذي تشغل جزءاً منه , بين المغرب والمشرق الذي يولدون منه " الشرق الأوسط الكبير أو الجديد " لطمس اسم الوطن العربي , بهدف استيعاب دولة الكيان الصهيوني , وإثنيات غير عربية أخرى ..!
إنها المؤامرة ..... والمؤامرات كثيرة ..! كانت سايكس - بيكو 1916 صغيرة ولما أدركوا أنها صغيرة, وفي عالم توضعت فيه دولة الكيان الصهيوني بكل ارتياح , رَضيت به "كمية" من الدول والدويلات التي ادعت العروبة , وتساوقت , وما زالت تتساوق مع شتى المؤامرات , لإقرار واقع جديد تقوده الصهيونية العالمية , تدعمه قوة الشر والنجاسة في عالم ظل يتربص بالعرب والأعراب , منذ مئات السنين , تحت ذرائع شتى , وللوصول الى أهداف , أقلها احتلال " قلب العالم" لأهميته الموضوعية والموقعية , التي خاض فيها الكتاب كثيراً..!!
بين خَصَبْ ووادي الذهب
قصدت بهذا العنوان بين "الخليج والمحيط " , لأن أهل الخليج كأنهم يخجلون أن يطلقوا عليه وصف " العربي" أو أنهم لا يستطيعون ذلك ؛ علما بأن السكان على جانبيه الشرقي والغربي , وسكان جزره من العرب , ينتمون الى 13 قبيلة عربية, وينتمون الى المذهب السني , لعلم من يهمه هذا الأمر..
وقد أثبت هذا المبعوث الدنماركي " كارستن نيبور" عام 1676 الذي بعثه ملك الدنمارك " فريديرك الخامس" ليتحقق من تبعية المنطقة وسكانها.. ثم جاء الباحث البريطاني " لوريمر" في (دليل الخليج) في بداية القرن العشرين ليثبت هو الآخر عروبة الخليج بلاداً وعباداً.. ومع كل هذا لم يجرؤ حكام الخليج أن يقولو بعروبة الخليج..!!
بل , الويل لمن تسول له نفسه , ويكتب أو يقول " الخليج العربي ".
لا أدري , ماذا أقول عن هذا الموقف..؟
أهو أدبٌ ديبلوماسي أم ماذا !؟
ماشي الحال؛ إني استخدمت الرمز, وقلت : من "خصب" بدلا من الخليج العربي ؛ فهذه المعلمة الرمز تقع على مدخل مضيق هرمز في الإمارة التي كانت تعرف بـ (إمارة رؤوس الجبال) المطلة على هذا المضيق الاستراتيجي الذي يعتبر الأهم في مرور ناقلات البترول لكل من الكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات والعراق وإيران منه الى كل العالم, لاتصاله بالمحيط الهندي ؛ والذي هو محل اهتمام القوى العالمية العسكرية والسياسية, والذي تحوط به القواعد العسكرية , ولاسيما من الجانب الغربي المطل على دول مجلس التعاون لدول " الخليج" العربية التي لم تستطع أن تقول : "الخليج العربي.."..
المهم أن " خصب" هي نهاية الوطن العربي من الشرق, وهي على الخليج "الهادر"..
وهذه خصب في حد ذاتها مشكلة ؛ منذ عام 1970 , وقد كانت إمارة عربية كبقية إمارات " ساحل عمان المهادن" , وقد كانت آخر حكامها قبل احتلالها من سلطنة عمان عام 1970 بمساعدة ودعم من بريطانيا وإيران الشاهن شاهية والأردن, وتم لهم اغتصابها , وضمها الى سلطنة عمان , وأن شيخها الشيخ (احمد بن محمد المالك) وهي تعرف اليوم في التنظيم الإداري العماني باسم ولاية ( مسندم)..
سكان هذه الإمارة المغتصبة , هم من (الشحوح) , وهم من القبائل العربية الأصيلة , وقد خرج منهم قاضي جيش المسلمين الذي قضى على المرتدين في تلك الأنحاء بعد وفاة الرسول ( ص ). هذا العالم العظيم هو (المهلب بن أبي صُفرة) الذي قال: " البينةُ على من ادعى و اليمين على من أنكر" لكن هؤلاء القوم لم يتقبلوا هذا الواقع الأليم , فقد أعلنوا من خلال رجالهم وتنظيمهم "جبهة تحرير إمارة رؤوس الجبال " التي ضلت تطالب باستعادة استقلالها في ظروف دولية عاصفة الأنواء تحتاج الى القوة لتحقيق هذا الأمل..
المهم أن ما من حق إلا وراءه مطالب , بانتظار الفرصة المناسبة لاستعادته .
لا أريد أن أتوسع وأحلق في الآفاق بعيداً ؛ فقد باع السلطان (سعيد بن تيمور آل بو سعيد ) عام 1958 منطقة (كوادر) على الساحل الشرقي لخليج عُمان , هذه المنطقة ,بلاداً وعباداً الي باكستان , بمبلغ 4 ملايين جنية استرليني , وقامت باكستان بضمها الي إقليم ( بلوشستان) في غرب الباكستان ,
تقوم الصين حاليا بتطوير مينائها ليكون ذا شأن عظيم في خدمة المواصلات البحرية العالمية..!!
ومن جهة أخرى قضت المؤامرة بسلب سلطنة (زنجبار) عام 1965 المواجهة لساحل تنجانيقا الإفريقية , وإخلائها من العنصر العربي فيها وضمها الى تنجانيقا ليصبح تنزانيا , الاسم المركب للبلدين , والذي أصبحت تعرف به حتى اليوم .. كان يوما مهولا يوم قام زعيم الحزب الأفروشيرازي ( حسين كروبي) بإخلاء خمسين ألفاً من سكانها العرب , الذين لجأوا الى عدن قبل استقلالها والى عمان , كما قاموا بتشكيل جبهة لتحرير بلادهم عرفت باسم (جبهة تحرير زنجبار) اتخذت من دمشق مقرا لهاً ,لكن الظروف الصعبة والبعد الجغرافي عن سورية لم يكتب لهذه الجبهة النجاح والاستمرار..
أما السلطان (جمشيد بن عبد الله ابن حارب آل بوسعيد ) فقد ألقي القبض عليه مع أفراد عائلته ورجاله, واستقلوا السفينة " فكترويا "باتجاه لندن ليعيشوا فيها منفيين , ولتخرج بلادهم من الجغرافية العربية ..!!
حدث هذا في وضح النهار, أمام سمع العرب وبصرهم ..!!
ونجتاز باب المندب نحو الغرب ؛ حيث كانت " أرتريا " في اتحاد صوري مع أثيوبيا في عهد الإمبراطور ( هيلا سيلاسي ) قبل الإطاحة به عام 1974 , وقد كانت " ارتريا " في ثورة مسلحة ضد أثيوبيا بغية الحصول على استقلالها , وأخد مكانها في الحضن العربي . ولطالما تغنى الشهيد ( عثمان صالح سبي ) قائد الثورة بعروبة أرتريا , حتى توفي في ظروف غامضة , ويحل محله ( أسياس أفورقي ) الذي يقلب للعرب ظهر المجن , ويستقبل في أرتريا ويتبرأ من العرب والعروبة باتجاه مضاد لما كان يبتغيه الشهيد (عثمان صالح سيبي ) في أوائل تسعينيات القرن الماضي .
لا يهمنا التفاصيل الآن , إلا أنها بقعة من الوطن العربي تم شطبها بقدرة قادر , ولم تتحرك أمة العرب ...!!
يبدو أنه الوهن , أو ضبابية الرؤية السياسية في وقت كانت الروح القومية في غاية التوهج ..!!
ونمضي غرباً باتجاه وادي النيل ؛ حيث مصر والسودان ؛ وقد كانتا في العهد الملكي في مصر دولة واحدة على رأسها الملك حتى انحلت هذه الرابطة عام 1956 بعد تنحية الملك فارق ( ملك مصر والسودان) في 23 تموز- يوليو 1952 حيث استقلت السودان عن مصر بمساحة تبلغ 2,505 مليون كيلومتر مربع قضمت منها دولة جنوب السودان بعد انفصالها عام 2011 نحو 620 الف كيلومتر مربع , وقد كانت السودان مجتمعة الدولة الافريقية الأولى من حيث المساحة ..!! وهذا من ورائه المؤامرة لتحجيم هذه الذراع العربية في القارة الافريقية الغنية بمواردها الطبيعية ومكامن الثروة فيها ..
أما بين السودان ومصر , فما زالت منطقة حلايب على البحر الأحمر , شمال شرق السودان وجنوب شرق مصر محل نزاع للسيادة عليها .
وهي حاليا تحت الإدارة المصرية , والسودان تدعي أنها من أملاكها , والطرفان لهما مرتكزاتهما ومبرراتهما التي تعود الي عهد الاحتلال الانكليزي للقطرين , وفيها شتى التناقضات , ثم أن القبائل التي تسكنها موجودة هنا وهناك , وأن تنظيمات الإدارة الإنكليزية عام 1899 ضمتها لمصر وفي تنظيمات 1902 ضمتها للسودان وهكذا ..!!
هذا وتبلغ مساحة هذه المنطقة نحو 21 ألف كيلومتر مربع .. مساحة لا بأس بها وتضم مكامن نفطية وكربوهدراتية وغير ذلك من ما يزيد الأمر تأزما ..!!
إنْ هي إلا لغم من ألغام المؤامرة البريطانية الكبيرة ..!
وبالأمس القريب كانت مشكلة جزر " تيران وصنافير " على ممر " الانتربرايس " بين خليج العقبة والبحر الاحمر وهل هي مصرية أم سعودية ..!؟
أما والخريطة متشابكة فلا بد من العودة الى القرن الافريقي ؛ حيث جمهورية الصومال وقد قضمت منها أثيوبيا منطقة " أوغادين" بمساحة تزيد على 327 الف كيلومتر مربع وقضمت منها كينيا إقليم " أنفدي" الذي تبلغ مساحته أكثر من 270 الف كيلومتر مربع .. مرة أخرى إنها بريطانيا الاستعمارية التي كانت تحتل كينيا حتى استقلالها عام 1963 . وقد تركت هذا اللغم المتفجر كالعادة ..
وهكذا تقضي تشابكات الجغرافية السياسية أن نعرج نحو الجنوب في المحيط الهندي , بإتجاه قنال الموزنبيق الى حيث جمهورية جزر" القمر الاتحادية ".
وقد قضمت منها فرنسا جزيرة( مايوت ) عشية استقلالها عام 1977 بحجة أن سكانها قد اختاروا البقاء بين الجامعة الفرنسية ؛ يعني أراضي فرنسية ما وراء البحار كما كان وضع الجزائر قبل الاستقلال , وكما هو الحال في بعض الجزر في الأنتيل والبحر الكاريبي , والمحيط الهندي ..!
(autre mer )
وهذا لغم من نوع آخر .. لغم فرنسي ..
نعود مرة اخرى الى ما غرب مصر , تطالعنا ليبيا وقد أنهت خلافها مع تشاد حول منطقة (حوض أووزو) من خلال محكمة العدل الدولية بعد أن احتلتها ليبيا إثر أحداث 1978 بعد الإطاحة بالرئيس " جوكوني عويدي" علماً بأن تشاد برمتها كانت جزءا من ولاية طرابلس الغرب في عهد الاسرة "القرمانية " ولاية عثمانية ...
هذا ؛ ويمكننا التجاوز عن تونس الى الجزائر والمغرب والنزاع الحدودي بينهما , وحرب خريف 1963 في منطقة " تندوف " و" حاسي رمل " و " حاسي بيضة " جنوب غرب الجزائر , والتي ما أن اطفئت حتى هبت رياح الخلاف من جديد حول الصحراء الغربية المكونة من إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب اللتين كانت تستعمرهما إسبانيا حتى عام 1975 وقت ضمتهما المملكة المغربية الى أراضيها ومساحتهما نحو 255 ألف كيلومتر مربع .والخلاف ما زال مشتعلاً بين المغرب والجزائر والحدود بينهما مقفلة منذ ذلك التاريخ ..!! وهنا لابد أن نشير الى أن الجزائر هي المقر الرئيسي لحكومة جبهة ( البوليزاريو ) التي تمثل جمهورية الصحراء الغربية .. أما المملكة المغربية فتشكو من وجود جيبين إسبانيين في أراضيها على البحر الأبيض المتوسط شمالا وهما "إمليليا "و "سبتا" ومجموعة من الجزر تعرف بالجزر الجعفرية التي يبلغ عددها 25 جزيرة في البحر الأبيض المتوسط .
ألغامٌ كثيرة خلفتها المرحلة الاستعمارية في الوطن العربي شرقا وغربا , مازالت جراحها تنز وتسبب آلاما وقد تجر الى كوارث وحروب يعلم الله مداها ...!!!
وأخيرا نعود الى منطقة التطبيع الاخيرة مع دولة الكيان الصهيوني وهي دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة السعودية وسلطنة عمان .هذه المسميات جميعها مليئة بالألغام والمتفجرات القابلة للانفجار في كل وقت ولطالما انفجر بعضها في أوقات سالفة .
هذا الإمارات لقد فعلت بريطانيا أفاعيلها في وضع الحدود بينها بمقاييس لا أنزل الله بها من سلطان ؛ فهنالك الخلاف بين رأس الخيمة والفجيرة من جهة والخلاف بين رأس الخيمة وام قيوين من جهة اخرى , وخلاف آخر بين الشارقة ودبي وخلافات بين أبوظبي وقطر والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وكذا خلافات بين السعودية وسلطنة عمان , كلها قابلة للانفجار وقد تدخلت محكمة العدل الدولية قبل سنوات في إنهاء خلاف بين قطر والبحرين على جزر حوارة وفشت الدبل ومازال الخلاف بين المملكة السعودية وقطر في خور العديد زادته الاحداث الأخيرة وحصار قطر من قبل السعودية والإمارات زادته غضبا واشتعالا ما تسبب في إيقاف عجلة قطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي قد تودي الى نهاية هذا المجلس .
ولذا التعمق والتفكير في سبب هذه المشاكل الوجود الاستعماري وارتباطه بالصهيونية العالمية لإرساء معالم دولة الكيان الصهيوني الكبرى في شرق أوسط ضعيف ومترهل. لكن رياح الثورة العربية ومحور المقاومة فيها هو الكفيل الوحيد بالقضاء عليها وتحقيق أهداف الأمه العربية في الاستقلال والتحرر الحقيقي والتخلص من دول ودويلات العفن الاستعماري المرتمية في أحضان الاستعمار والصهيونية العالمية.
والأيام حبالى وتلد كل عجيب.