خربشات سياسية
إن حرارة اللقاء بين الإمارات والكيان الصهيوني، والفرح الأمريكي له، تنبئ عن تفاعلات بقدر هذه الفرحة وحرارة اللقاء.
بالمناسبة؛ لا أدري كيف وُقع الاتفاق المشؤوم هذا، بين الكيان الصهيوني، ودولة الإمارات، وهي دولة فيدرالية؛ مركبة من سبع إمارات، وإن إنشاء أي علاقات أو اتفاقيات، والدخول في معاهدات إقليمية أو دولية، لا بد من موافقة أعضاء الاتحاد عليها..
هنا أنشأ اتفاق التطبيع هذا عن دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد إمارة أبوظبي، في غيبة رئيس الدولة الشيخ (خليفة بن زايد) فأين بقية الإمارات، وأعضاء المجلس الأعلى.. حكام الإمارات؟
هنالك إجابتان عن هذا السؤال؛ الأولى هو أن يكونوا قبضوا المعلوم من محمد بن زايد، والثانية قد يكونوا تعرضوا لضغوط شديدة من النوع الذي لا يمكن مقاومته، أو الاثنتان معًا.. وأخص بالذكر هنا الشيخ الدكتور (سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى) حاكم الشارقة، صاحب المواقف القومية والعروبية، وسليل أسرة القواسم ذات التاريخ المجيد في مقاومة الاستعمار، والوقوف مع القضايا القومية، وخاصة قضية فلسطين.. وكان يمكن أن أستثني الشيخ (خالد بن صقر القاسمي) ولي عهد إمارة رأس الخيمة، الذي قضت المؤامرة النجسة بتنحيته عام 2004، بسبب مواقفه الوطنية والقومية الشريفة؛ وأستثني أيضًا بعض الشيوخ من أبناء الطبقة الحاكمة ممن لا حول لهم ولا قوة، الذين تحكمهم الأعراف العشائرية والعصبية القبلية، أكثر مما تحكمهم مقتضيات الحال في القضايا القومية والخارجية؛ يضاف إليهم بعض النخب الفكرية والسياسية، وقد تم قمعهم في المعتقلات والمنافي، تحت شتى الذرائع؛ ومنها أنهم (إخوان مسلمون). في حين أن البعض منهم لا علاقة لهم بالإخوان لا من قريب، ولا من بعيد، وإن كانوا يعبدون الله، ويصلون، ويحجون وغير ذلك من الشعائر.
أخص هنا بالذكر المرحوم الدكتور (سعيد عبد الله سلمان) وزير التربية والتعليم الأسبق، وصاحب جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا -أول جامعة خاصة في منطقة الخليج.
نعم؛ كان يقيم شعائر الإسلام.. لكنه لم يكن من جماعة "الإخوان المسلمين"، بل إنه كان واعيًا ووطنيًّا ومخلصًا لأمته وعروبته، لذا وجب إقصاؤه!
وهنالك آخرون مثله يقبعون في السجون، وفي المنافي لا داعي لذكر أسمائهم خشية تشديد النكير عليهم، أعرفهم معرفة يقينية، بوطنيتهم وإخلاصهم لقضايا أمتهم؛ أيضًا وجب التخلص منهم، ومن نشر أفكارهم النيرة بين أبناء وطنهم؛ حتى يفعل ابن زايد ما يريد بعد أن خلا له الميدان!
إنها خربشات في السياسة، في دنيا العشائرية والقبلية، والمال الزائد الذي يمكن إغداقه يمينًا ويسارًا دون حساب في شراء الذمم والضمائر بهدف تحليل الحرام، وتحريم الحلال.
أما أين الشعب؟ فلا أستطيع أن أحدد وضعه أمام الإرهاب الرسمي والإغراء والتعتيم ونشر الترهات والأكاذيب.
ها هو الشعب في البحرين يخرج إلى الشوارع علانية، ويندد ويرفض مواقف حكامه، ويؤيد القضية الفلسطينية التي تم التنكر لها في اتفاقيات العار التي تمت، والتي سوف تتم!
ولا ننسى مواقف فئة ضالة من رجال الدين تم شراء ضمائرهم بأبخس الأثمان، والمناصب، وقد برروا للحكام الخونة خياناتهم وقذارة أفاعيلهم.
مرة أخرى؛ إنها خربشات سياسية اختلطت وتفاعلت مع القبلية والعشائرية البالية، التي تدعو لعبادة الحاكم وعدم مخالفته!
لست أخشى أن يتم ما هو أكثر من ذلك.. إن الفرحة العارمة لما تم، والإعلان الصريح عن أن "إسرائيل" هي المخلص الوحيد مما يدعون شرورًا وهمية من عداء إيران! وكأني أرى في الأفق أن هنالك ما هو أكثر من ذلك يفضي إلى إقامة أكثر من تطبيع واعتراف بالكيان الصهيوني ألا وهو إقامة نيتو خليجي تحت اسم تحالف أو كومنولث أو حتى إقامة فيدرالية أو كونفدرالية أو كومنولث أو دومنيون مع هذا العدو الذي أصبح صديقًا حميمًا. والذين طبلوا وزمروا لهذا اللقاء ولهذا المستوى من الإجراءات التي طبقته.
هذا وإنهم قد أداروا ظهرهم بالكلية للقضية الفلسطينية؛ بل راحوا يكيلون التهم لمحور المقاومة وللإضاءات الشريفة التي تبتغي تحرير فلسطين.. وكما هم ماضون في ذلك تسول لهم أنفسهم الدنيئة أو الضبابية والتعتيم الذي يعمهون فيه لشراء ذمم بعض الحكام العرب المتخاذلين من خارج المنطقة الخليجية ليدخلوا في هذا الإطار السمج الذي يرون فيه مرضاة للقوة الأكبر سياسيًّا واقتصاديًّا في العالم وهي أميركا الصهيونية وأوروبا الاستعمارية بقيادة الصهيونية في تل أبيب التي أضاعها التفكك العربي بالتساوق مع الإمبريالية العالمية التي ما زالوا يدينون لها بكل وفاء وإخلاص!
هذه النوايا الشريرة التي ينفذها أفاقوا الحكم والسياسة في معظم الدول العربية التابعة والمتلطية في جحور أسيادها في معسكر واشنطن ولندن يقف في وجهها محور آخر يختلف في رؤياه وفي منشئه ويتصدى لهؤلاء الجبناء وأسيادهم برفع صوت الحق والمقاومة المسلحة إضافة إلى البقية المتبقية من الشرفاء من أبناء أمتنا العربية الباسلة الذين لم يستطِع معسكر الرده والخيانة تطويعهم أو ترهيبهم.. وهكذا فإن المعركة طويلة ولكن نهايتها -كما في كل البديهيات- أن النصر للحق وللمطالبين به والزوال للباطل وأصحابه.
وإن هي إلا خربشات سياسية وليست إلا أوهامًا وتخرصات لا سبيل لبقائها وانتصارها على أمة لها تاريخ ولها ماضٍ في مقارعة الخطوب، مكللٌ بالنصر المؤزر بإذن الله.