فلسطين أون لاين

المصالحة الفلسطينية بين تركيا ومصر

لقاء للأمناء العامين في بيروت، وحوارات للمصالحة في تركيا، فأين دور مصر المكلف من جامعة الدول العربية برعاية ملف المصالحة؟ وهل ثمة رابط بين فشل مشروع القرار الفلسطيني الذي يدين التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وبين هذه الاستدارة؟ وبطريقة أخرى هل التوافق الفلسطيني مع محور قطر تركيا سينجز المصالحة الفلسطينية بعيدًا عن المحور الآخر؟ أين هي المصلحة الفلسطينية؟ هل تصريحات السفير الأمريكي في تل أبيب استفزت الفلسطينيين لإنجاز الانتخابات؟ وهل ممكن أن يكون هناك توافق من تحت الطاولة بين عباس -هنية على توافقات في المناصب الثلاثة (المجلس الوطني -المجلس التشريعي -الرئاسة) بين الحركتين؟

أسئلة كثيرة ومثيرة، قد لا تسعفنا مقالة لتناول الملف من كل جوانبه، ولكن بإطلالة سريعة وموجزة نحاول أن نستشرف المسار إلى أين يسير.

أولًا: المصالحة والاستدارة.

استقبل الرئيس التركي اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس يطلعه على فحوى اللقاءات التي ستجمع قادة حركة حماس وفتح في تركيا التي بدأت يوم الثلاثاء، حيث سيجتمع السيد إسماعيل هنية ونائبه الشيخ صالح العاروري باللواء جبريل رجوب وروحي فتوح، كما طلب الرئيس عباس من أردوغان أن تعمل تركيا على توفير مراقبين للمراقبة على الانتخابات الفلسطينية.

السياق التاريخي لحوارات المصالحة شهد دخول أكثر من دولة على رعاية ملف المصالحة، فمن السنغال إلى اليمن إلى قطر وصولًا لموسكو وليس انتهاءً عند السعودية، ولكن في كل ملف كان التتويج في مصر، وكانت القيادة الفلسطينية تطلع الرئيس المصري وجهاز المخابرات العامة على كل التفاصيل. فهل ما زال التوجه الفلسطيني في نفس الاتجاه؟

لا شك أن موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي بارك فيه اتفاق السلام بين الإمارات والبحرين مع “إسرائيل” لم يلقَ قبولًا فلسطينيًّا، يضاف إلى ذلك حيثيات فشل تمرير مشروع القرار الفلسطيني في الجامعة العربية، وهو ما دفع وزير الخارجية الفلسطينية د. رياض المالكي للاعتذار عن رئاسة فلسطين لمجلس جامعة الدول العربية، وهو ما يشير إلى أن تذهب الفصائل تجاه المصالحة دون مصر، حتى وإن كان التتويج فيها فلا أعتقد أن القاهرة ستكون سعيدة في حال أنجزت فصول الحوار الوطني على أرض خصمها السياسي تركيا، فكيف الحال سيكون في حال كان التتويج في تركيا وبحضور قطر وإيران وبعض الأطراف الأخرى؟ موجة هجوم الإعلام المصري على حماس في تقديري هي رسالة للحركة بألَّا تنصاع لتوجهات الرئيس عباس عبر استدارة كاملة من مصر إلى تركيا.

ثانيًا: ماذا يجري في تركيا.

معلومات من داخل مقر المقاطعة تفيد بأن الرئيس عباس أبلغ اللواء جبريل الرجوب بالجلوس مع حماس حتى يوم الخميس المقبل وما سيتم إنجازه فالرئيس عباس موافق عليه لا سيما ملف الانتخابات، وفي تقديري أن علاقة الرئيس عباس بمحور قطر تركيا وعلاقة حماس القوية بنفس المحور ستساهم إيجابًا في إحداث اختراق بملف المصالحة.

ومن مصادر مقربة من حماس أفادت بأنها أرسلت تطمينات للرئيس عباس بعدم رغبتها في الهيمنة المطلقة على النظام السياسي الفلسطيني، وأن مبدأ الشراكة وليس المغالبة هو القاعدة التي ستكون عنوان المرحلة لا سيما لو جرت الانتخابات الشاملة قريبًا.

 ثالثًا: أين تكمن المصلحة الفلسطينية؟

مصر دولة مركز وليس من مصلحة أحد تجاوزها فهي رئة قطاع غزة وحماس التي تتنفس منها، وعليه ينبغي لحركة حماس الإبقاء على استراتيجية الانفتاح التي تبناها رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، كما أن القضية الفلسطينية ورقة رئيسة تعزز من مكانة مصر ودورها في الإقليم فإن فقدت هذه الورقة سيتراجع دورها، وعليه مطلوب من القاهرة أن تستوعب تداعيات توقيع اتفاق السلام بين الإمارات والبحرين مع “إسرائيل”، عبر إطلاق يد الدبلوماسية الناعمة التي يبناها جهاز المخابرات العامة المصري.

رابعًا: اتفاقيات تحت الطاولة.

لست مقتنعًا بأن الرئيس محمود عباس مُصر على إنجاز المصالحة والانتخابات بهذه السرعة، بل ثمة اعتبارات تسللت للمشهد الفلسطيني لعل أهمها:

1. اتفاق السلام بين (إسرائيل) وكلٍّ من البحرين والإمارات على مبدأ السلام مقابل السلام.

2. تصريحات السفير الأمريكي ديفيد فريدمان حول النائب محمد دحلان، وهو ما عزز أهمية إغلاق باب الشرعية أمام أقوى خصومه.

3. ثمة احتمال أن حركة حماس أرسلت تطمينات للرئيس عباس مفادها أن الحركة لن تسيطر على منظمة التحرير وقد تترك رئاستها للرئيس، بعد زيادة صلاحيتها واستعادة مكانتها وقوتها، مقابل توافق بين الحركتين على انتخاب رئيس متوافق عليه يضعف من فرص فوز دحلان أو مروان البرغوثي في حال جرت انتخابات رئاسية، وانتخابات تشريعية وحكومة وحدة وطنية قوية تؤسس لما سبق.

الخلاصة: أنصح الحركتين (فتح وحماس) بألَّا تخسرا أي دولة وأن خطوات ترتيب البيت الفلسطيني تبدأ من المصالحة والانتخابات، وأن مواجهة التطبيع بعد ذلك تكون أكثر قوة وتأثيرًا، أما سياسة حرق السفن فهي لا تخدم سوى الاحتلال وتزيد من الفجوة بين الأمة العربية والإسلامية.