لم تعد الجامعة العربية في مركز الاهتمام والاحترام عند الفلسطينيين، ولا سيما عند السلطة الفلسطينية نفسها. فلسطين قررت التخلي عن رئاسة مجلس الجامعة في هذه الدورة لهذا العام. تخلت فلسطين عن الرئاسة كبديل عن المطالب الشعبية بالانسحاب من الجامعة. قيادة السلطة قررت عدم الانسحاب، ولكنها لا تخفي ألمها من الدول الرئيسة في الجامعة، لمنعها قرار إدانة الخروج على المبادرة العربية. وهي لا تستطيع تجاوز المطالب الشعبية، فقررت الانسحاب من رئاسة الجامعة.
هذا موقف دبلوماسي جيد، ولكنه لا يحقق مصالح الفلسطينيين، ولا يستجيب للمطالب الشعبية، وقرار الانسحاب كان أوجب في هذه المرحلة التي تتخذ فيه القضية الفلسطينية مطية لكي تصلح الدول علاقاتها ومصالحها مع أميركا. فلسطين ليست قضية للاستهلاك القطري للدول، لا سيما في حالة الأزمة مع واشنطن. قادة الدول يبدون في حاجة إلى من يعيد تثقيفهم بفلسطين، ويعيد عليهم المفاهيم الأساسية في القضية الفلسطينية.
التأكيد على المفاهيم الجذرية هو واجب الجامعة العربية، ولكن الجامعة فشلت في مهامها هذه، فشذ قادة الدول وذهبوا إلى تناسي المفاهيم الموروثة عن الآباء والأجداد، وحلت محلها مفاهيم واشنطن، وتل أبيب، حتى بتنا نسمع في دول الخليج من يزعم أن حق اليهود في فلسطين هو حق تاريخي لا يمكن إنكاره، ويطلب من الفلسطينيين بكل وقاحة أن يعترفوا بهذه الحقيقة التاريخية!
إذا كانت الجامعة العربية مؤسسة لا تحترم قراراتها، ولا تدافع عنها وتستبدلها كما يستبدل الرجل ملابسه، فإنه ثمة مشكلة أخرى في بعض مجتمع المثقفين من شعوب الخليج تتعلق بعدم احترامهم للفلسطينيين، واتهامهم بالاتجار بقضيتهم، أو ببيعهم أرضهم، وهي أمراض غير موجودة، وإن كانت موجودة، فهي أمراض فردية تتعلق بالأفراد، ولا علاقة لها بالشعوب التي ضحت بما تملك من أجل فلسطين والقدس والأقصى.
نعم، إن رئاسة الجامعة في هذه المرحلة لا جدوى منها، ولا حاجة لفلسطين بها، ولو انسحبت فلسطين من الجامعة فإن ذلك لن يضر القضية الفلسطينية، وربما لا يفيدها عمليا أيضا، ولكنه يبقى تعبيرا نفسيا واجبا عن الذات الشعبية في هذه المرحلة. وعلى القيادة الاستماع لمطالب الشعب.