فلسطين أون لاين

مع جائحة كورونا

"كواليس" تجربة التعليم عن بعد في رياض الأطفال

...
غزة- مريم الشوبكي:

تمسك أفنان صبيح هاتفها الذكي تشاهد مع طفلتها مقطع فيديو لطريقة كتابة الهمزة، تعيد الكرة أكثر من مرة، ثم تمسك القلم الرصاص تكتب في أعلى الكراسة "ء"، بصعوبة تبدأ ابنتها إتقانها، تبكي لا تريد الكتابة، فتغريها الأم في حال أكملت الصفحة بمكافأتها بقطعة شوكولاتة.

هذا المشهد يتكرر يوميًّا مع صبيح؛ فابنتها بيسان تريد اللهو واللعب مع إخوتها وأبناء عمها، تعاني معها لكي تقنعها بكتابة صفحة على الأقل يوميًّا، فكثير من الأمهات يتنافسن في تصوير أطفالهن مع كراسات الواجب، ونشر المقاطع عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالروضة.

التعليم عن بعد تجربة غنية خاضتها رياض الأطفال في قطاع غزة، بعد إغلاقها في 25 آب (أغسطس) منذ إعلان حظر التجوال، في إثر اكتشاف عدد من الإصابات بفيروس
كورونا" (كوفيد-19) في داخل المجتمع، بعضٌ يدعم التجربة وآخرون يرفضونها لأن العبء الأكبر تتحمله الأم.

أماني عودة أم لخمسة أطفال أكبرهم في المرحلة الثانوية، تقضي يومها بين شاشة هاتفها وكراسات أطفالها تتابع معهم الدروس عن بعد.

عودة تقطن في حي الدرج، لا تفضل التعليم عن بعد لا سيما للأطفال في مرحلة الروضة، لأنها تعاني بطء الإنترنت، وصعوبة توصيلها المعلومة لطلفها الذي ما لبث أن تعلم طريقة إمساك القلم.

وعلى النقيض دينا الأشرم تعبر عن ارتياحها إلى تعليم طفلتها في مرحلة التمهيدي عن بعد، لأن المعلمة تبث شروح الدروس عبر "فيديو" وترسله في مجموعة "واتس أب"، ولا ترهق الأمهات بالكثير من الواجبات بل صفحة واحدة يوميًّا فقط.

وتشير دينا في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن التعليم عن بعد يمكن أن يجتازه الطفل في مرحلة التمهيدي، ولكن في مرحلة البستان يصعب عليه الأمر، لأنه لم يمر بعد بمرحلة التأسيس في طريقة الإمساك بالقلم، وهذا يشكل عبئًا كبيرًا على الأم.

أما المعلمة في إحدى رياض الأطفال سماح عوض فتؤيد التعليم عن بعد خاصة لرياض الأطفال، ولكن هذا يتوقف بالدرجة الأولى على متابعة الأم لطفلها وتخصيص وقت لتعليمه الكتابة.

وتقول المعلمة، التي تعمل منذ ١٣ عامًا في التدريس برياض الأطفال، لصحيفة "فلسطين": "الطفل في مرحلة التأسيس لا بد من تمرينه يوميًّا على الكتابة وإمساك القلم لتقوية عضلات يده، وتطوير اللغة لديه وإشغال وقته بما هو مفيد".

وتواجه المعلمات صعوبات في التعليم عن بعد، تذكر أن بعض الأمهات يحول عدم امتلاكهن هاتفًا ذكيًّا وخط إنترنت، دون تواصلهن مع شروحات المدرسة، كما أن الطفل لا يكون علاقات اجتماعية مع غيره من الأطفال.

وتشير سماح إلى أن التعليم عن بعد يحول أيضًا دون اكتشاف المعلمة الأخطاء والمشاكل التي يمكن معالجتها في هذه المرحلة الحساسة، واكتشاف بعض الأمراض التي ربما يعانيها ولا تدري بها الأم، ومعالجتها في مرحلة مبكرة.

مديرة إحدى رياض الأطفال هيام أبو دقة لا تبدي رضاها عن تجربة التعليم عن بعد، ولكنها لم تتوقف عن بث أوراق العمل والفيديوهات التعليمية للأمهات وأطفالهن.

تقول هيام لـصحيفة "فلسطين": "التعليم الصفي أفضل بكثير من التعليم عن بعد، فالطفل يتكيف مع جو الروضة، ويؤسس تأسيسًا صحيحًا، وينمي مهاراته باللعب والتعلم، والأطفال يتشجعون على حفظ الأناشيد معًا، لذا تواجه الكثير من الأمهات مشكلة في عملية التحفيظ".

أفضل خيار

لكن هالة الحداد، ربة بيت، ترى أن التعليم عن بعد هو أفضل خيار مع أزمة كورونا، ولكنها تفضل التعليم داخل الصفوف.

وتذكر هالة أسباب تفضيلها التعليم الوجاهي: تقوية علاقات طفلها الاجتماعية بتكوين صداقات مع أقرانه، وتنمية مهارة القص والسرد لديه بالحديث عن تفاصيل يومه في الروضة، وأن التفاعل في الروضة يعالج الخجل عند الأطفال وبعض العادات غير الإيجابية أيضًا.

منذ إعلان تعطل رياض الأطفال أعدت وجدان دياب -وهي مديرة إحدى رياض الأطفال- خطة طارئة لمواصلة شروحات الدروس، من طريق مجموعات أنشأتها عبر "فيس بوك" و"واتس أب" تنشر المعلمات يوميًّا الفيديوهات عليها، ويطلبن من الأهالي إرسال تطبيق أطفالهم هذه الدروس على كراسات خارجية.

تبين وجدان لصحيفة فلسطين" أنها تجتمع بمعلماتها يوميًّا في مقر الروضة حيث يحدثن خططهن، ويسجلن فيديوهات لبثها عبر المجموعات، وفي الأيام القادمة ستقوم بعمل أوراق عمل لكي تحلها الأم مع طفلها في البيت بعد أن تتسلمها من مقر الروضة.

وتوضح أنه لا بديل في الوقت الحالي عن التعليم عن بعد؛ فليس هناك معلومات تشير إلى عودة قريبة إلى استئناف العام الدراسي، وحتى لا يتعود الطفل الخمول والكسل ويبقى ذهنه في مرحلة تنشيط قررت منذ اليوم الأول إكمال ما انتهت عنده معلماتها في الفصول الواقعية.

وتشير وجدان إلى أنها استطاعت إيجاد حلقة ثلاثية ما بين الأم والمعلمة والطفل تجبر الأم على متابعة طفلها، وعدم تركه أسيرًا للهاتف وأفلام الكرتون الذي يكون فيها مرسلًا غير مستقبل.

وتختم: "تجربتنا في التعليم عن بعد نجحت بقياس مدى تفاعل الأمهات وأطفالهن مع الدروس"، مؤكدة أنها حريصة على إبقاء تواصل وتفاعل الأطفال مع معلماتهم.