توّجت دولة الإمارات العربية المتحدة اتصالاتها مع العدو الصهيوني على مدار سنوات بتوقيع اتفاق سلام يجمعها به. لم تشكّل الخطوة الإماراتية أية مفاجأة للمتابع للشأن الصهيوني، فإرهاصاتها كانت حاضرة قبل عقد من الزمن في الإعلام الصهيوني، وعبر الخطاب الرسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي خلال عدة سنوات، وهو يتفاخر بأنَّ له اتصالات قوية مع دول عربية. وهنا، لا يمكن إنكار أنَّ العدو تمكّن من تحقيق اختراق حقيقيّ في جدار الصدّ العربي.
لقد نجح العدوّ الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية في استنزاف طاقات الأمة، وإعادة ترتيب خارطة العداء في المنطقة، عبر كسب عدد من الدول العربية لصالحهما، باعتبار "إسرائيل دولة طبيعية" في المنطقة العربية. وفي المقابل، شيطنة قوى المقاومة والدول الداعمة لها، والعمل على ترسيخ "إسرائيل كدولة شريكة" في محاربة أعداء العرب والخليج، وضرورة التعاون معها على الصعد كافة، وخصوصاً الأمنية والعسكرية.
إنّ البوابة الأمنيّة هي ما كان يبحث عنه العدو الصهيوني، ولا يخلو أيّ اتفاق يوقعه مع الدول العربية من الشق الأمني. وهنا، يستفيد من مثل هذه الاتفاقيات على عدة صعد؛ الأول هو القدرة على تحييد عداء الدول، وما تمثله من حالة استنزاف للعدو، كما جرى مع مصر، والثاني هو المساهمة في محاصرة المقاومة وملاحقة أنشطتها وتجفيف منابعها وخطوط الإمداد، وثالثها تشكيل الدول العربية قاعدة أمنية واستخبارية متقدمة لـ"إسرائيل" في مواجهة أعدائها.
وأمام هذا الواقع المتصاعد من إقدام بعض الزعماء العرب على الهرولة لتطبيع العلاقات مع العدو الصّهيوني، وتوقيع اتفاقيات سلام تضمن التعاون الأمنيّ مع العدوّ - نصَّت اتفاقية الإمارات الأخيرة في بندها الرابع على التعاون المشترك لمحاربة الإرهاب (بحسب التعريف الصهيوني) - يتحتّم على قوى المقاومة حماية الجبهة العربية، وبناء استراتيجية موحّدة تكون قادرة على مجابهة العدوّ الصهيوني.
لقد نجحت قوى المقاومة في خلق حالة من الردع مع العدو الصهيوني على الجبهات المتعدّدة، ومسّ عصبه الضعيف والمؤلم بجعل الجبهة الداخلية الصهيونيّة جزءاً من أية مواجهة، ما دفعه إلى العمل على التكيّف مع بعض التهديدات، وبذل جهود مضاعفة لمواجهة جبهات أخرى، إلا أنَّ هذه الجهود تحتاج إلى المزيد من تطوير القدرات والتعاون على أكثر من صعيد.
واقع العلاقة اليوم بين قوى المقاومة أفضل بمراحل مما كانت عليه في السّابق، إذ تشهد مزيداً من التحسّن في العلاقة والتواصل، لكنَّ التحديات تحتّم عليها أن تعمد إلى بناء حوار استراتيجي معمق في المسارات السياسية والاستخبارية والعسكرية، وتوفير سبل الدعم المالي للمقاومة الميدانية، في ظلّ ما تتعرض له من خنق، وخصوصاً المقاومة الفلسطينيّة.
هو حوار ينتج من استراتيجية موحّدة وفاعلة في مواجهة التحديات. على الصعيد السياسي، المطلوب من قوى المقاومة إعادة إحياء الحالة العربية والإسلامية الشعبية الرافضة للتطبيع، بما تمثله من حالة واسعة وكبيرة قادرة على التأثير، والعمل على تحصين ما تبقّى من الدول العربية من الانزلاق نحو التطبيع، وتكثيف الجهد في إنهاء الخلافات الداخلية، أو على الأقل تحييدها، وتبنّي القواسم المشتركة في مواجهة "إسرائيل"، والعمل عليها.
على الصّعيد الاستخباريّ، أمام قوى المقاومة اليوم تحديات كبيرة، والمطلوب منها تكثيف التعاون المشترك في مجابهة المخاطر الأمنيّة المحدقة بها، وضرورة تطوير أدواتها. أما على الصّعيد العسكريّ، فالمجال لا يتّسع هنا للتّفصيل فيه، إلا أنَّ أفضل مخرجاته هو العمل على توحيد جبهات المواجهة والعمل برؤية عسكرية مشتركة على الجبهات كافّة.
إنَّ نجاح قوى المقاومة في بناء استراتيجياتها الموحّدة وتجاوز الخلافات، وإن كانت معقّدة، سيشكّل سدّ حماية لوقف النزيف العربي نحو التطبيع، وسيعيد الاعتبار إلى قضية فلسطين كقضية جامعة.