يبدو أن ثمة معركة متصاعدة تجري بين عباس شخصيًا وحركة حماس في غزة، وما هو مخفي منها أكثر مما هو ظاهر حتى الآن. نعم لقد دخلت أزمة الكهرباء في غزة في حيز التنفيذ، فلا وقود عن طريق السلطة إلا بضريبة البلو وغيرها من الضرائب، ومن ثمة توقفت المحطة الوحيدة عن العمل منذ يوم الأحد، ودخل سكان غزة في معاناة أشد من المعاناة العادية، لا سيما أنه يرتبط بمشكلة الكهرباء مشكلة مياه، حيث قد تأتي الكهرباء في موعد غير متزامن مع المياه فتعاني المساكن متعددة الطوابق من نقص حاد في المياه.
ويبدو أن مشكلة الكهرباء ستطول ما لم تتدخل دول عربية ذات تأثير إيجابي على محمود عباس لكي يرفع الضريبة عن بترول محطة الكهرباء. أربع ساعات أو ست ساعات هي المدة التي يتمتع بها البيت الغزي بالكهرباء في مقابل قطع متواصل يبلغ اثنتي عشرة ساعة. وهذا غير حادث في الضفة مثلا؟!
السلطة في رام الله لا تنظر للمشكلة من زاوية أن سكان غزه كلهم متضررون من أزمة الكهرباء وليست حماس هي المتضررة وحدها، وعلى عباس أن ينظر بعين الشعب لا بعين نفسه، ولا بعين المناكفات السياسية مع حماس.
إن مشروع معاقبة غزة بآليات اقتصادية ومالية، كقطع أجزاء كبيرة من الرواتب، والتهديد بالمزيد من القطع، إضافة إلى قطع مخصصات الشئون الاجتماعية عن الأسر الفقيرة هي إجراءات مؤلمة جدا، ولكن لن تكسر غزة، ولن تدفعها إلى الاستسلام لجنون عباس، أو لمؤامرة الحلول الإقليمية التي خطط لها نتنياهو، وسوقها عند الإدارة الأميركية.
أما عن الصحة فقد أكد مسؤول ملف الصحة في الرئاسة الفلسطينية، مدحت طه، أنه لا يوجد أي قرار بوقف التحويلات الطبية، معتبرًا أن تلك الموضوعات "مفبركة"، ولا أساس لها إطلاقًا. وأضاف طه: وقف التحويلات الطبية، لا نفكر به، وغير وارد أبدًا، وكل ما يقال هو محض إشاعات، ممن وصفهم بـ"الطابور الخامس"، داعيًا لضرورة عدم التعاطي مع تلك الأخبار المغلوطة.
هذا النفي جيد، ولكنه غير مطمئن، لأنه ربما يعني أن الموضوع كان قيد الدراسة والنقاش، وما نفاه مدحت طه ربما يدعو إليه غيره على قاعدة أن حماس بإمكانها أن تحمل غزة بكليتها، أو تتركها للسلطة بكليتها، كما يهدد بذلك محمود عباس، دون أن يطرح الحوار بديلًا، ودون البحث عن صيغ تكاملية مع غزة وحماس. غزة ليست عبئًا، ولكن يمكن تحويلها لذلك من خلال تجاهل مكانتها وقيمتها، والنظر إليها من جانب (ليتها تغرق في البحر).
ما يخوفنا في ملف الصحة هو ما جرى في جامعة الأقصى، إذ بعد النقاش والحوار لأشهر حول ملف الجامعة ورئاستها والموظفين الجدد بها، والرواتب المقطوعة، تنازلت حماس عن جل مطالبها وقبلت برئيس الجامعة الذي عينه وزير التعليم في رام الله، ومع ذلك لم يتسلم الموظفون رواتبهم بحسب الاتفاق.