نجحت "إسرائيل" في توظيف حالة الاستقطاب الإقليمي لصالحها، حيث يشهد إقليم الشرق الأوسط أكبر عملية استقطاب وبناء تحالفات، فمن جهة وقعت تركيا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة السراج في ليبيا، واتفاقية استراتيجية مع باكستان، واتفاقية دفاع مشترك مع قطر.
ومن جهة ثانية يتمدد المشروع الفارسي الإمبراطوري الإيراني لعدة عواصم عربية، فمن العراق إلى اليمن، ومن لبنان إلى سوريا، وليس انتهاءً عند دعم المقاومة في فلسطين.
في المقابل هناك أطراف عربية ترى بما يجري في الإقليم هو تهديد مباشر لأمنها القومي ومستقبل دولها، والمفارقة العجيبة أن الولايات المتحدة هي حليف استراتيجي لهذه الدول، والسؤال المطروح لماذا لا تعمل الولايات المتحدة على حماية حلفائها...؟ لكن بات من المؤكد أن الولايات المتحدة قدمت "إسرائيل" كممر اجباري لضمان الرضى الأمريكي على هذه الأنظمة، فبدأت عجلة التطبيع بالدوران انطلاقاً من قناعة راسخة بأن هذا التحالف سيكون له مردود إيجابي يخدم مصالح هذه الدول في ظل التحديات التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط.
فبدأ العمل عبر مؤتمر وارسو لتشكيل ناتو عربي عماده "إسرائيل" لمواجهة التمدد الإيراني، إلى أن وصلت بعض من هذه الدول إلى اللحظة التاريخية بتوقيع اتفاق سلام مع "إسرائيل"، فهل فعلاً ستكون "إسرائيل" حليفاً استراتيجياً ممكن الاعتماد عليه في تحقيق الأهداف الثلاثة:
دفع عملية السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة.
مواجهة التمدد الإيراني.
مواجهة التمدد التركي.
تبدأ الإجابة من قراءة متأنية لمسار التاريخ، لاسيما اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية.
والسؤال الثاني يتلخص بموقف "إسرائيل" من العرب...؟ كيف تنظر "إسرائيل" للعرب...؟ وما أهم المواقف التي سجلها التاريخ لقياس مؤشر موقف "إسرائيل" من العرب...؟
أولاً: اتفاقيات السلام الإسرائيلية العربية.
وقّعت "إسرائيل" ثلاث اتفاقيات سلام، الأولى مع مصر عام 1979م، والثانية مع منظمة التحرير الفلسطينية وتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993م، والثالثة توقيع اتفاقية سلام مع الأردن عام 1994م.
لم يتغير على مصر الكثير نتيجة اتفاقية كامب ديفيد للسلام، فالواقع الاقتصادي لم يتغير، ولم تكن "إسرائيل" حليفاً استراتيجيًا لمصر في يوم من الأيام، فهي من قامت بهندسة سد النهضة الذي يشكل خطراً استراتيجياً على الأمن المائي لمصر والسودان، وهي التي تدعم وتعزز من نفوذها في القرن الافريقي الذي كان أحد أهم ركائز الأمن القومي العربي.
أما اتفاق أوسلو فخلص إلى مزيد من الاستيطان والتهويد والحصار وزيادة مؤشر الفقر، ولم يوصل الفلسطينيين إلى الدولة، ولو كانت "إسرائيل" حليفاً استراتيجياً صادقاً لقامت بحماية السلطة الفلسطينية ومنعها من الانهيار أمام مقاتلي حماس عام 2007م في غزة، ولعملت على نجاح الرئيس محمود عباس ولو شكلياً أمام شعبه، بل على العكس استفادت من الاتفاق بما يحقق مصالحها ويبني مشروعها الاستراتيجي التوسعي.
أما الأردن فلم تخدم "إسرائيل" المملكة الأردنية الهاشمية بشيء، فالواقع الاقتصادي صعب، وبدل أن تكون "إسرائيل" حليفاً استراتيجياً للمملكة تعمل على تقويض الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية في القدس.
ثانياً: موقف "إسرائيل" من العرب.
تقول التوراة: نحن شعب الله المختار، فقد جاء في سفر التثنية (14/2): لأنك شعب مقدس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". وفي التلمود: نفوس اليهود من روح الله، ونفوس غير اليهود من روح نجسة.
وعند اتخاذ قرار الحرب يذهب الحاخام الاكبر ليتحدث أمام قوات الجيش الصهيوني فيقول لهم: أيها الجندي الشجاع أنت مقدس بين الناس، أنت أقوى منهم، ستنتصر عليهم، اقتل الرجال والنساء والأطفال الأجنّة، اقتلهم وما ترحم أحد، بتروح الجنة.
هكذا ترى "إسرائيل" التي تميل نحو اليمين المتطرف العربي، وكل ما يفعله نتانياهو هي بروجندا إعلامية لخدعة الرأي العام من أجل تحقيق مصالح دولته.
أما أهم المواقف التي سجلها التاريخ لقياس مؤشر موقف "إسرائيل" من العرب، فهنا أرصد ثلاث محطات تاريخية هي:
موقف "إسرائيل" من الحرب العراقية الإيرانية حيث وقفت "إسرائيل" مع إيران ضد العراق، ودعمتها بالأسلحة وقصفت المفاعل النووي العراقي.
موقف "إسرائيل" من الأزمة السودانية حيث دعمت "إسرائيل" انفصال الجنوب عن الشمال وتقسيم السودان.
موقف "إسرائيل" من عمليات تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء ضد الدولة المصرية فهل وقفت "إسرائيل" بجانب الجيش المصري للقضاء على داعش...؟
الخلاصة: لم ولن تكون "إسرائيل" حليفاً استراتيجياً للعرب، بل ستتعاطى مع الحرب كما يتعامل النحال مع النحلة، سيأخذ العسل دون الالتفات لصحة النحلة، والنماذج التاريخية خير دليل، ولا ينبغي أن تخدعنا ابتسامات نتانياهو، فهو رجل متخصص بالدعاية والبروجندا، أثق أن موقف الشعوب مختلف عن موقف القادة، وكل أمل بأن يراجع من وقع اتفاقاً مع "إسرائيل" نفسه ويتسلح بشعبه وبقضايا الأمة.