فلسطين أون لاين

الحقيقة المُرَّة تكشفها أزمة كورونا

...
د.صادق قنديل

الحمد لله وكفى، والصلاة والسَّلام على النبي المُجتبى، وبعد:

أوقات الأزمة والمِحن اختبار لكل الجُهود المبذولة والمشاريع المُنْجزة على كل المستويات الدينية، والدعوية، والفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية؛ ففي الأزمة تنكشف حقيقة وجود أثرها في المجتمع، صحيح في الأزمة يجب على المسؤولين القيام بدورهم، وهذا ليس مِنَّةً منهم؛ بل واجب عليهم، ويشمل هذا الواجب كل الحركات الإسلامية وغيرها في المجتمع؛ لأن تداعيهم للقيام بواجبهم الشرعي والوطني يعكس صدق الانتماء للأرض والوطن، وعليه فلا يجوز لأحد منهم أن يتخلف أو يتأخر عن القيام بمسؤولياته، ولا يقف الواجب عند حدود المسؤول؛ بل يشمل جميع من في المجتمع للقيام بدوره، ومن هذا المنطلق لا يعني مطالبة المسؤول في القيام بدوره أن يُقصِّر غيره؛ فيتخلَّى الجار عن جاره، والغني عن الفقير، والقوي عن الضعيف، والصحيح عن المريض، والمثقف عن الجاهل؛ فالأزمة تعم ولا تخص، ويجب تكاتف الجميع وتعاضده؛ فالمسؤول أمانة وظيفته تكون من الدولة أو الحزب فتجعله في الصدارة وفي خط المواجهة مع الناس، والمواطن أمانة تكليفه والقيام بدوره تكون من انتمائه للدين والوطن، والجميع أمام المحاسبة عند الله سواء وإن اختلفت أماناتهم،  فالتكافل الاجتماعي لا يحتاج إلى قرار؛ لذلك تجد الحقيقة مُرَّة في أن السَّواد الأعظم من الأغنياء ينفض يده من تحمُّل مسؤوليته؛ بل تجد من ميسوري الحال من لا يتعفَّف ويحرص أن يكون  اسمه ضمن سجلات الفقراء والمساكين، ويقبل على نفسه هذا ويزعم أنه أحق بها، وعنده ما يزيد عن حاجته في بيته حتى سنة، ويا للأسف أقول لهذا وأمثاله: فاتتكم عزَّة المؤمن، وخُلق اذهب إلى فلان فهو أحق بها منِّي.

والحقيقة مُرَّة أيضًا: في الأخذ بالتدابير الصحية، الذي يعكس لك بوضوح حقيقة تأثير كل المشاريع والأنشطة والبرامج الدينية، والفكرية والتوعوية، والصحية في المجتمع، ووقت احتياجها في الأزمة لا تجدها؛ فليس من مهمة طبيب مختص، أو داعية حريص، أو عالم مجتهد، أو شرطي تضربه الشمس وما كان لهذا من حاجة، أن يترجَّى الناس ويتوسل إليهم في أن يلتزموا التدابير تعبيرًا منهم عن ثقافتهم، وما استفادوه من دروس وتربية قبل الأزمة؛  لأنها بكل بساطة مسؤولية الجميع إذ خطر المرض معلوم من الواقع والدين بالضرورة.

 والحقيقة مرة أيضًا: أن التكافل بمعناه الأعمق ومجالاته الأشمل يُسجل نتيجة صفرية قد تزيد لكنها ليست بالمستوى المطلوب، وأُكرِّر أن المسؤول هو المسؤول وعليه أن يتحمَّل وأن يبذل ما بوسعه، وعليه الإثم إن قصَّر بلا سبب وكان بمقدوره أن يفعل ولم يفعل؛ لكن مع هذا يجب أن نتذكَّر  أنه لا يليق بأحد أن يزيد من الضغط عليه بمنشور على الفيس أو التويتر أو مواقع التواصل الاجتماعي ويُشوِّه صورته، نعم لكل مواطن الحق أن يقول وأن يعبر عن رأيه ويُوجِّه النقد كما يشاء، لكن ليس من حقه أن يكذب ويشوه ويضخم ويُعرِّض ويغمز ويلمز؛ فالمصداقية التي تُنادي أن يتحلى بها المسؤول يلزمها أن تكون وقَّافًا عن صحة المعلومة وصدق الخبر.

والحقيقة مُرَّة أيضًا:  العلماء وأهل الفكر والرأي لا يقف دورهم عند حدود الكلام والسَّلام؛ بل يتعدّاه إلى ساحات العمل، والمبادرات الخلاَّقة، فيتحركون لخدمة المجتمع ويساعدون في التخفيف من آثار الأزمة بحجم حضورهم في المجتمع ومؤسساته الرسمية والشعبية، وعلاقاتهم التي تخدم كثيرًا وتعود بالخير على المجتمع، فصورة الشيخ مع تلاميذه، والغني مع جُلسائه، والنَّجم مع مُتابعيه جميلة؛ لكن الأجمل صورة هذا أو ذاك وهو يتحرك في ساحات العمل ليس بالضرورة أن ينزل إلى الميدان، إن صعب عليه؛ بل مُمكن أن يُسخِّر كل إمكاناته وقدراته وشبكة علاقاته ومعارفه الداخلية والخارجية في خدمة شعبه ووطنه، ففرصة لكل صاحب مشروع نهضوي في المجتمع، أو يسعى للنجومية، أو لبناء المساجد والمعاهد والمدارس، أو يؤسس الروابط العلمية، والمؤسسات الأهلية،  أو يدعو الناس للإعجاب بقناته والاستماع لخطبه ودروسه وتصفح موقعه، أو حضور دروسه في معهده، أن يحكم على دوره وأثره في وقت الأزمة وإلا فالحقيقة مرة.

مع بالغ تقديري للذين نسمعهم في كل وقت ونشعر بوجودهم وخدمتهم للمجتمع والدين بحق.