فلسطين أون لاين

بأيدٍ غزية.. أراضي "محررات" تحولت إلى بساتين خضراء

...
غزة - يحيى اليعقوبي

ما إن تمر بجانب محررة "حطين" بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، التي أقيمت على أراضيها مستوطنة "غوش قطيف"، حتى يجذب نظرك حبات الليمون الصفراء على مد بصرك وهي تلمع في وضح النهار؛ بقربها تفترش أشجار الزيتون الأرض.

وأنت تسير بمحاذاتها بوسيلة نقل ترى أنواعًا كثيرة من الخضراوات، أمامك (قبل أزمة كورونا) عشرات العمال يحرثون الأرض، وآخرون يقطفون الثمار، مئات الحمامات الزراعية تغطي مساحات كبيرة من الأرض، أصوات العجول والخراف والدجاج لا تتوقف عن الصدور من المزارع الحيوانية، كل شيء هنا ينبض بالعمل والحياة، بعدما كان هذا المكان لا يصدر منه سوى الموت والقتل في عهد الاحتلال.

مساحات شاسعة؛ كان يمنع الاقتراب منها، سنوات طويلة استغلها الاحتلال في الزراعة والتصدير، وبقي هذا "الكنز" بين يديه؛ يسرق خيراته ويحرم أهالي القطاع منه، إلى أن أعادت المقاومة الكنز إلى أصحابه لكونه ملكًا للشعب الفلسطيني يستفيد منه الجميع، وحقق اكتفاء ذاتيًّا في الخضراوات.

مساحات كبيرة

وفقًا لإفادة المتحدث باسم وزارة الزراعة أدهم بسيوني، إن "المحررات" تمتد على مساحة 25 ألف دونم، كلها تتبع بشكل أساسي للوزارة، ومزروعة بكل أنواع الخضار، والمحاصيل الشجرية "المانجو"، والزيتون، والحمضيات، مقام عليها منشآت زراعية تعمل في إطار خدمة القطاع، وإمداد غزة بنسبة جيدة من الاستقرار والأمن الغذائيين، كذلك تضم آلاف الدونمات من الدفيئات، ولديها قدرة على تشغيل آلاف العمال، والمساهمة بنسبة من الاكتفاء الذاتي.

يقول بسيوني لصحيفة "فلسطين": "اليوم أصبحت المحررات مراكز تزرع فيها الأصناف الحديثة، كما أن المزارعين والمواطنين يستثمرون فيها، وهذه الأراضي ملك للشعب الفلسطيني، وكل مواطن يستطيع الحصول على قطع أرض للاستثمار وفقًا للأصول المعمول بها".

ويتابع: "لو بقيت بيد الاحتلال لكنا فقدنا كنزًا ثمينًا، لكننا الآن نستطيع تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي بفضل هذه الأراضي".

تنبع أهمية هذه المساحات من أنها أصبحت من ركائز ودعائم الاقتصاد، يضيف بسيوني: "نتحدث عن آلاف الدونمات، وقوى ووسائل نقل تتحرك على الأرض، وكل هذه تجري من أجل الاكتفاء الذاتي".

العديد من المشاريع الزراعية أقيمت على أراضي المحررات، منها إعادة تأهيل الدفيئات الزراعية، وإعادة تأهيل المساحة والبستنة، وإقامة منشآت لها علاقة بالإنتاج الحيواني، ومشاريع للطاقة البديلة، وفقًا لحديثه.

وتمثل مساحة المحررات 40% من المساحة الإجمالية لقطاع غزة وعددها 22 محررة، دُحِر منها الاحتلال عام 2005م، فيها كنوز وثروات طبيعية طالما حرم خيرها المواطن الفلسطيني، وتبلغ مساحتها 25 ألف دونم، لكن المساحة المستثمرة منها للزراعة حاليًّا سبعة آلاف دونم.

ويسعى القائمون على هذه المشاريع لسد العجز في المنتجات المحلية من الثمار لتقترب نسبة الاكتفاء إلى 90% في بعض المنتجات، ومنتجات أخرى تحقق اكتفاء كاملًا، فإن هذه الأراضي تضم 26 بئر مياه، وتتوافر بها العديد من الدفيئات الزراعية.

وفقًا لإفادة وزارعة الزراعة، يوجد بالمحررات 40 مزرعة حبش تنتج ما يقارب 20 – 30 ألف رأس حبش، وهي تغطي 50% من احتياج السكان، وبها 30 ألف دجاجة بياضة تغطي 5% من احتياج المستهلكين.

مكسب حقيقي

يقول الخبير الزراعي نزار الوحيدي: "إن بقاء أراضي المحررات في إطار الزراعة بعد تحريرها مكسب حقيقي لغزة، وكذلك حمايتها من الزحف العمراني قضية مهمة لمستقبل غزة الغذائي، خاصة بعد فقدان شريط الأراضي قرب السياج الفاصل مع الاحتلال شرق وشمال قطاع غزة، وما زالت مناطق ساخنة لا يمكن الاستثمار الزراعي فيها".

"لكن تبقى مسألة إدارة المحررات –يضيف لصحيفة "فلسطين"- بحاجة للكثير من الضبط، فكمية المياه المتاحة للمحررات لا تكفي لاستثمارها، وهذا يتطلب زراعة محاصيل تحتاج إلى مياه قليلة، وقابلة للتصدير والتخزين، وألا يترك العمل فيها للخبرة الشخصية".

بعض المحررات تحولت إلى مشاريع إسكانية، كما يتابع، مثل مدينة حمد بمحافظة خان يونس، لكن تبقى محررات (دير البلح، ومنطقة القرارة بخان يونس، ورفح) الأهم والأكبر، ومن أهم المحاصيل المزروعة فيها الخضراوات وبعض الفواكه، وبعضها أقيم عليها حدائق نخيل، ورمان، وثبتت جودتها ونجاحها.

"حققت المحررات فائدة كبيرة، وهنا يجب ألا نغفل أنه في إدارة الموارد الأرضية الاستثمار في السنوات الأولى لا يكون مجديًا، فالأرض بحاجة لست سنوات حتى تكتسب التربة خواص فيزيائية حيوية عالية، والآن الإنتاج الزراعي ممتاز، فتحقق خلال العام الحالي الاكتفاء الذاتي من الخضراوات" يختم الوحيدي.