فلسطين أون لاين

قبل أن تدحر المقاومة الاحتلال عن أرض غزة

حواجز "إذلال" محيت من الواقع.. حاضرة في ذاكرة غزيين

...
غزة - يحيى اليعقوبي

كثيرون عاشوا أوقاتًا صعبة قبل دحر الاحتلال عن قطاع غزة، يقضون ساعات عند حواجزه التي كانت تقطع أوصال مدن محافظات القطاع، حتى يصلوا إلى أعمالهم ومثلها في أثناء العودة للبيت، أحيانًا يضطرون للنزول إلى شاطئ البحر والسير عدة كيلومترات لتجاوز الحاجز، مرات عديدة احتجزوا يومين أو ثلاثة خلال العودة.

طابور طويل من السيارات كانت تقف أمام حاجز المحتل يمنع مرورها؛ الطلاب تأخروا عن محاضراتهم، الموظفون عن أعمالهم، تمر ساعة، وساعتان وأربع، بندقية الجندي في جيش الاحتلال تطل من نافذة الثكنة العسكرية، تتأهب لإطلاق النار على أي فلسطيني يتجاوز الإشارة الضوئية الحمراء، مجموعة من الجنود يفتشون السيارات والركاب واحدًا تلو الآخر، فكم من شخص اعتقل وضرب، أو قتل ومست كرامته عند الحواجز!

تلك مشاهد حاول الاحتلال بها "إذلال" الغزيين محيت من واقعهم بعد دحره من مستوطنات قطاع غزة، على وقع ضربات المقاومة التي أخرجته رغمًا عنه، وهو يجر أذيال الخيبة ومرارة الهزيمة، لكن بقيت تلك المشاهد حاضرة في ذاكرة كثير من أبناء غزة.

روتين يومي

"حينما كنت طالبة في المستوى الأول في الجامعة الإسلامية؛ في إحدى المرات كنت في الحافلة عند الحاجز، لكنه يا للأسف أغلق قبل العبور؛ فمكثنا طويلًا حتى الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل ولم نتكمن من العبور وغفا السائق" لم يفارق المشهد ذاكرة الدكتورة إيمان شقيقة الشهيد نور الدين بركة.

لا يزال في المشهد بقية: "نظرت من شباك الحافلة وكانت بجانبنا سيارة من نوع "مرسيدس" بحمولة سبعة ركاب، وكان سائقها من أبناء العائلة، وددت لو أنتقل من الحافلة إليها لحظة فتح حاجز "أبو هولي"، لكن لم أستطع " مرت تلك السيارة من الحاجز، وبقيت بركة في الحافلة مع الطلاب، بعد يوم شاق وطويل على مقاعد الدراسة، ثم ساعات طويلة يصطفون في طابور طويل.

هذا المشهد كان أشبه بروتين يومي، عاناه المواطنون في قطاع غزة في التنقل بين المحافظات، فكانت المسافة من رفح إلى غزة التي لا تزيد على 30-50 دقيقة حاليًّا تستغرق أكثر من ثلاث ساعات يوميًّا بفعل حواجز الاحتلال.

غطت الطالبات في النوم بعد أن حطت رحال عقارب الساعة عند الثانية فجرًا وفتح الحاجز: "حينما وصلت إلى البيت بعد سبع عشرة دقيقة من فتح الحاجز وجدت الباب مفتوحًا وأضواءه منيرة، حينما صعدت للأعلى وجدت شقيقي الشهيد نور الدين وقد خرج من سجون الاحتلال، وعلمت أنه كان في السيارة التي كانت بمحاذاتنا وتمكنت من تجاوز الحاجز قبل إغلاقه بعد فتحه عند منتصف الليل" قالتها في غصة ومرارة.

لم تمح الذاكرة معاناتها الدراسية: "يوميًّا كنت أذهب الساعة السادسة والنصف صباحًا للجامعة، لكن لا أصل قبل العاشرة صباحًا، فكانت أول محاضرتين تضيعان شبه يومي، وخلال عودتنا أقل شيء كنا نحتجز ثلاث ساعات (...) في إحدى المرات أعادونا إلى غزة ونمنا بالجامعة، وفي مرة أخرى مع حلول العشاء جاء خالي وأخذني لبيته بعد إغلاق الحاجز".

"كثيرًا ما كانوا يفتشون الحافلة ويخرجوننا منها عدة دقائق بلا سبب، الأمر فقط إذلال لا غير، وهي معاناة متوقعة من محتل "غاصب" عهدنا غطرسته" لكن لم يعد هذا الواقع موجودًا بعد دحر الاحتلال عام 2005م، وأصبح دخول الاحتلال الإسرائيلي إلى غزة بأي عدوان مكلفًا جدًّا له، ولعل تصدي شقيقها الشهيد القائد الميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام نور بركة لوحدة إسرائيلية خاصة حاولت التسلل شرق خان يونس شاهدًا على هذا التغير بين العهدين.

مغامرة سفر

كانت زيارة المواطن فادي الهليس إلى خالته بمحافظة رفح أشبه بـ"مغامرة سفر"، لا يخلو منها مشهد استفزاز جنود الاحتلال للمواطنين عند حاجز "أبو هولي"، وتفتيش السيارات، وإطلاق النار.

يرحل بذاكرته إلى ما قبل ١٥ عامًا: " كنت في المرحلة الإعدادية سنة 2003م؛ أحب الذهاب في الإجازة الفصلية الصيفية لقضاء وقت عند بيت خالتي (...) الطريق كانت مغامرة وسفرًا، طوال الوقت، أتلقى اتصالات من عائلتي، يستفسرون هل وصلت أم لا، وهل قطعت حواجز الاحتلال".

هنا المشهد لم يغادر تلافيف ذاكرته: "بعدما تقف السيارات عند الحاجز، أذكر أنه أحيانًا كان الجنود يطلبون منها التوجه إلى "بركس" للتفتيش، وفيه كان يعتقل الاحتلال أشخاصًا، ويعدم آخرين، كما كنا نسمع ونشاهد".

ضحكته هنا تعيده لموقف صعب: "أوشكت سيارتنا أن تعبر الحاجز، لكن السائق أمامنا تجاوز الإشارة الحمراء، وأطلق الجندي من قلب الثكنة العسكرية وابلًا من الرصاص وتأخرنا كثيرًا".

تركت تلك الحواجز أثرًا في ذاكرة حسين الحواجري، يستذكر مرارة تلك الأيام: "عام 2003م خرجنا (طلابًا وطالبات) برحلة جامعية للاطلاع على حجم الدمار الذي خلفه اجتياح الاحتلال لمنطقة "تل السلطان" برفح، وفي أثناء عودتنا أغلق حاجز "أبو هولي" ومكثنا سبع ساعات".

طابور طويل من السيارات، الأجواء الصيفية حارة، لم تكن الساعات السبع عادية على طلبة جامعيين خرجوا لأول مرة في رحلة، يكمل: "في أثناء مكوثنا انقطع اتصالنا، وكانت المدرسة أجنبية، حاولت التواصل مع الأهالي، وكان في هذه المدة ممنوعًا أي طالب من النزول من الحافلة، أطلقت النار فوق السيارات، وجنود الاحتلال فتشوا السيارات تفتيشًا دقيقًا".