مما لا شك فيه أن المواطن الفلسطيني أصيب بصدمة أو خيبة أمل كبيرة في مشروع القرار الفلسطيني، الذي أسقط خلال الدورة العادية الـ١٥٤ لوزراء خارجية لجامعة الدول العربية، والذي تناول «تداعيات الإعلان الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي على القضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية، حيث شهد خلافات أدت إلى رفض مشروع القرار الفلسطيني بشأن التطبيع مع (إسرائيل) باعتباره خرقًا لمبادرة السلام العربية، حيث عارضت العديد من الدول العربية وبينها دول مركزية كنا نعتقد أنها داعمة ومؤيدة للموقف الفلسطيني بهذا الشأن، وإذ بالاجتماع يخرج بنفس الصيغة المعروفة حول التمسك بالسلام وحل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وبمبادرة السلام العربية دون أي تطرق لمن يخالف المبادرة العربية، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أن أكثر من طرف عربي يتجه نحو التطبيع منذ فترة طويلة.
هذا الواقع العربي الجديد، وأقل ما يقال فيه أنه مؤسف لأن مبادرة السلام العربية بقيت مجرد يافطة لم يلتزمها أكثر من طرف عربي، يجب أن يشعل ضوءًا أحمر لدى صانع القرار الفلسطيني ولدى كل مركبات العمل السياسي الوطني الفلسطيني سواء الفصائل أو السلطة الوطنية أو منظمة التحرير لإعادة النظر في كيفية التعامل مع هذا الواقع بأقل قدر من الخسائر وأكبر قدر من الحفاظ على الثوابت الوطنية وحشد أكبر قدر من الدعم العربي للمطالب العادلة للشعب الفلسطيني.
وأما بالنسبة لجامعة الدول العربية التي ينطبق عليها انفصام في الشخصية لعدم حفظ ماء وجهها بتخليها عن اللاءات الثلاثة في قمة الخرطوم عام ١٩٦٧ وتخليها عن التزامها ما ورد في مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام ٢٠٠٢، ففي عام ١٩٧٩ نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وجمدت عضوية مصر ردًّا على توقيع معاهدة "كامب ديفيد" للسلام مع الاحتلال، وفي حين أسقطت الجامعة ذاتها الأربعاء الماضي (٩ سبتمبر) قرارًا فلسطينيًّا طالب بإدانة تطبيع العلاقات مع الاحتلال.
وما بين العامين ١٩٧٩ و٢٠٢٠ جرت مياه كثيرة تحت جسر السياسة العربية، وطفت على السطح علاقات لطالما كانت موجودة في الخفاء وأصبح التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والترويج له سمتًا لا تخجل منه الحكومات وتخشى عواقبه بسبب سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها جامعة الدول العربية التي عجزت خلال العقود الماضية عن تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، ولم تتمكن من تقديم أي دعم حقيقي أو مواقف مشرفة إزاء القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، وأشار البيان إلى أن مواقف الجامعة العربية اقتصرت طوال الفترات الماضية على بيانات الإدانة والاستنكار، وما يبعث على الاستياء أنه حتى هذه المواقف الشكلية لم يعد في مقدور الجامعة أن تبديها في دلالة واضحة على مستوى الانحسار القيمي المتردي والمخيف والهوة السحيقة التي باتت تفصل بين هذه الجامعة وثوابت الأمة وشعوبها.
سياسة الكيل بمكيالين هذه لدى الجامعة يثبت بما لا يدع مجالًا للشك عبثية وجود مثل هذا الكيان العدمي الذي لم يعد أكثر من مصدر إعاقة وإحباط لشعوب الأمة وبؤرة تثبيط وتشويش لكل ما تبقى من مواقف وتوجهات مضيئة في أوساطها المنكوبة بحكومات بعيدة كل البعد عن كل ما يجسد آمالها.
إن هذا الموقف السلبي للجامعة العربية جاء في سياق تماهي الكثير من مكونات الموقف العربي مع هذه المشاريع العدائية التي بات الاحتلال الصهيوني يطرحها بكل جرأة ومن دون أي خوف أو قلق ويعمل على تسويقها بأساليب مستفزة لمشاعر الأمة وبشكل ينطوي على الكثير من الاحتقار والإهانة حتى لتلك الحكومات التي قررت أن تسلك مسالك التطبيع والخضوع والانبطاح.
وبناء على ذلك لا بد العمل والضغط باتجاه إصلاحات حقيقية في سياسات ومواقف الجامعة العربية بما يكفل إعادة ضبط البوصلة باتجاه الأهداف التي أنشأت من أجلها وبما يصون ثوابت الأمة وقضاياها الكبرى، ويجعلها تعبر عن آمال وأخلاق الشعوب العربية ومصالحها الحقيقية.
إن رفض الجامعة العربية إدانة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، يفقد ما تبقى لها من قيمة لدى الشعوب، بل يجب القول إن الجامعة تحولت إلى مجرد بوق من أبواق الدعاية الرخيصة للتطبيع لتنفيذ أجندات مشبوهة لا تمت بصلة إلى العروبة، وبذلك تكون الجامعة العربية حكمت على نفسها بالإعدام السياسي، بعد وقوعها في دائرة نفوذ المطبعين، وأمام السقوط الرسمي للنظام العربي لكونها عرابة لهذا التطبيع.