فلسطين أون لاين

مبادرات ممرضات في غزة.. "بلسم على قلوب المرضى"

...
غزة- مريم الشوبكي:

منذ فرض حظر التجوال على قطاع غزة في إثر ظهور حالات مصابة بفيروس "كورونا" داخل المجتمع، وضعت رباب حلاوين خدماتها التطوعية بين يدي أبناء مخيم جباليا شمالي القطاع، بإعلان خطتها على جدار صفحتها في موقع "فيس بوك"، قائلة: "عشان الحجر المنزلي اللي محتاج أي إجراء تمريضي: غيار الجروح والحروق، أو إعطاء محاليل وعلاجات، أو تركيب القسطرة البولية، أنا جاهزة".

مطلقة مبادرتها "بوصلكم لبيتكم" دعت المرضى إلى البقاء في بيوتهم على أن تزورهم وتعمل ما يلزم من خدمات تمريضية، بعد أن تعذر عليهم الوصول إلى المراكز الصحية، خصوصًا مع توقف حركة السيارات.

حلاوين (24 عامًا) حاصلة على شهادة تمريض تخصص نساء وتوليد، عملت مسعفة متطوعة في مسيرة العودة وكسر الحصار السلمية وأصيبت خلالها عدة مرات، وفي العديد من المستشفيات والمراكز الصحية، واليوم بجانب عملها التطوعي في تقديم خدمات التمريض في البيوت، تعمل في قسم فرز الحالات المصابة بفيروس "كورونا" عن غيرها في مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع.

تقول حلاوين لصحيفة "فلسطين": "في هذه الظروف الطارئة يتعذر على كثيرين تلقي الخدمات الطبية اليومية الضرورية في بعض الأحيان، وفكرة التطوع بتقديمها لهم في بيوتهم تخفف عنهم الكثير من الآلام وتجنبهم انتقال العدوى لهم".

ولاقت مبادرة "بوصلكم لبيتكم" ترحيبًا واسعًا من أبناء منطقتها، لا سيما أنها تخصص خمسة أيام لهذه المبادرة، ويومين للعمل التطوعي في قسم الفرز بالمستشفى مدة 18 ساعة متواصلة.

وتتوجه حلاوين لبيوت مرضى مخيمها جباليا مشيًا على القدمين، مع تقسيم الشوارع والأحياء وفصلها، ضمن الإجراءات الوقائية لمنع تفشي "كورونا".

في المستشفى، تتحصن خلف ردائها الأخضر ونظارتها البلاستيكية وغطاء الرأس والقدمين والقفازين، تتحمل تصبب العرق من جسدها بسبب ثقله مع ارتفاع حاد في درجات الحرارة طوال 18 ساعة في اليوم، تحتاط من انتقال العدوى إليها لاحتكاكها مباشرة بالحالات.

الحذر هو ما تحاول أن تتقنه رباب لأن الفيروس يمكن أن يتسلل إليها بخطأ بسيط منها، تروي أصعب المواقف التي مرت بها: "حجرت ثلاثة أيام متواصلة بعد مخالطتي حالة مشتبه بها، ولكن بعض الفحص تبين أن نتيجتها سلبية".

وتحكي موقفًا آخر: "واجهت ناسًا يخافون الاقتراب مني واقترابي منهم، يخافون أن أنقل لهم العدوى (المحتملة) مجرد أنني أتعامل مع حالات مصابة بكورونا".

وفي إجراء احترازي تؤديه رباب كالمعتاد في الكشف الطبي على أي شخص يدخل المستشفى، في وقت متأخر من الليل طلبت من مرافق لمريض الكشف عليه بقياس درجة حرارته وإلباسه كمامة.

وتؤكد حلاوين أن معظم الحالات المصابة أو المشتبه بإصابتها تتعاون مع الممرضين في المستشفى، لكي يؤدوا دورهم على أكمل وجه.

وصل الليل بالنهار

ولمكافحة فيروس "كورونا" يستنفر "الجيش الأبيض" بكامل إمكاناته وطاقته، يصل الليل بالنهار من أجل علاج المصابين بالمرض، ويحاول محاصرة بؤرة تفشيه داخل المجتمع، ويهبون وقتهم لإنقاذ الأرواح التي قد يهددها الفيروس.

بعض الممرضين فور إعلان تسجيل إصابات بفيروس "كورونا" داخل المجتمع في قطاع غزة، استنفروا مبادرين بعرض خدماتهم التمريضية مجانًا لمن يحتاج لها من سكان القطاع، حيث لاقت مبادراتهم استحسانًا وتشجيعًا كبيرين.

بردائها الأبيض تجوب الممرضة رولا فريد على دراجة نارية يقودها أخوها، بيوت حيها في خان يونس جنوب القطاع ممن يطلبون منها المساعدة في تضميد جراح بعضهم، وغيار لضماد الحروق، وتركيب قسطرة "بول" لكبار السن، ولا تدخر جهدًا في توفير المستلزمات الطبية من مصروفها الشخصي لمن لا يمتلك إمكانية شرائها.

منذ اليوم الأول أعلنت فريد (23 عامًا) عبر صفحتها الشخصية في "فيس بوك" مبادرتها لتقديم أي خدمات تمريض يحتاج لها أبناء شعبها.

تقول فريد لـ"فلسطين": "ما أفعله هو عمل تطوعي لأهل حيي رغبة في تقديم خدمات تمريضية يحتاجون لها، مع حظر التجوال وتوقف المراكز الطبية والمستشفيات عن تقديم الخدمات للمواطنين".

عملت فريد مسعفة متطوعة في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية، وضمدت جراح العديد من المصابين، ومتطوعة في مستشفى غزة الأوروبي مدة ستة أشهر.

تضيف: "في الظروف الحالية هناك كثير منهم يحتاج دوريًّا لتغيير ضماد جروحهم، وبعض المواطنين يعانون جروحًا وحروقًا، وبعض المرضى من كبار السن يحتاجون يوميًّا لتغير قسطرة البول ووخز الإبر".

خدماتها التطوعية جعلتها تنسج علاقات اجتماعية، مع أشخاص يثمنون مخاطرتها بحياتها من أجل تخفيف آلام مرضى تقطعت بهم السبل بسبب تفشي فيروس كورونا.

وتكمل: "من صميم عملنا أن نمنح الناس الكثير من وقتنا لمداواة جراحهم، واليوم نقدم خدماتنا للمرضى في إطار مواجهتنا وباء كورونا".

وتأمل توفير المستلزمات الطبية للممرضين المتطوعين الذين يقدمون خدماتهم على نفقتهم الشخصية، لكي يستطيعوا مواصل مشوارهم في خدمة المواطنين.

مع حظر التجوال يمنع تجول السيارات داخل المدن والأحياء، فكيف تتغلب رولا على ذلك؟، تجيب: "بعض المرضى يأتون البيت، ومن لا يستطع منهم من كبار السن خاصة أذهب إلى مداواتهم في بيوتهم مشيًا على القدمين، وإن كانت المسافة بعيدة أستعن بأخي لكي يوصلني على دراجته النارية".

يد واحدة

أما رولا النجار ممرضة أخرى فأرادت أن تثبت للعالم أجمع أن الفلسطينيين يد واحد لا تفرقهم المحن والأزمات والظروف الصعبة، بل يضربون أعظم الأمثلة في التكافل والتعاضد.

تقول النجار (22 عامًا) لصحيفة "فلسطين": "في هذه المحنة التي يمر بها شعبنا رغبت في تقديم خدمة تليق به من صميم تخصصي، وهي مداواة المرضى والجرحى، فتطوعت وكلي فخر بتلبية نداء من يحتاج لخدمة تمريضية".

وتضيف: "أهب مبادرتي الإنسانية لروح أبي الذي كان فخورًا بي في حياته، وأحب أن أساهم بأي شيء -ولو بسيطًا- لأبناء شعبي، لأنه يستحق كل الدعم والتقدير، وهذا أقل ما نقوم به نحن أصحاب المعطف الأبيض".

وتستقبل عبر هاتفها استفسارات تمريضية من بعض المواطنين، ولا تتوانى عن تقديم المشورة لهم من واقع تخصصها، وتزور من يحتاج للمساعدة في بيته سيرًا على القدمين متخذة كل الإجراءات الوقائية بارتداء الكمامة والقفازين.

واستعانت ببعض المستلزمات الطبية التي كانت تدخرها لوقت الأزمات، ومع ظهور فيروس "كورونا" في المجتمع استخدمتها لبعض الحالات التي تعذر عليها توفيرها، ولم تتوان أيضًا عن توفير بعضها من مصروفها الشخصي.