قائمة الموقع

​الشهيد قيسية.. ركض طويلًا لينال الشهادة

2017-04-20T06:01:47+03:00
الشهيد سعد قيسية (أرشيف)

على أعتاب آذار؛ "يابا؛ الوضع بالدار مش كويس اتصل عليهم".. كان الكلام موجهًا إلى محمد قيسية (57 عامًا) من أحد أبنائه خلال عملهم في البناء بالداخل المحتل، وعلى الفور أمسك بهاتفه واتصل على البيت: "وين أمك".. وجه الكلام لابنته التي ردت على المكالمة الهاتفية، لترد عليه: "أمي تبكي"، وأنهت المكالمة دون أن يحصل على أي إجابة عما يجري.

ظن قيسية الأب أن حدثًا عاديًا جرى، واستمر في عمله، وبعد مرور الوقت وانتهاء عمله وأثناء عودته على معبر "نيتار" المؤدي إلى منطقة الظاهرية جنوب الخليل بالضفة الغربية، صادفه شخص يعرفه، فحدثه قائلًا: "بقولوا في واحد مستشهد من عائلة قيسية.. أنت الآن أبو الشهيد".

رد قيسية على حديث هذا الشخص الذي أشعل دقات قلبه من الاستفسارات وقال له: "اسكت؛ فكني منك مش ناقصني مزح"، رغم ذلك ظلت الأمور على حالها، وبعد أن ابتعد لمسافة عشرة كيلو مترات من الحاجز، استقبل والد الشهيد مكالمة هاتفية لتضع النقطة الأخيرة أمام تفاصيل هذا المشهد، ليخاطبه ضابط في مخابرات الاحتلال ويطلب منه العودة إلى الحاجز للتعرف على جثة شاب من عائلة قيسية وذلك الساعة السابعة مساءً من ذات اليوم.

البداية، 1 مارس/ آذار 2017م، كان الشاب سعد قيسية 24 عامًا الذي يعاني منذ عام ونصف من مرض أعصاب بالمخ، حسبما يذكر والده لصحيفة "فلسطين"، يعيش في حالة تخيلات غير مألوفة، سببت له حالة عصبية شديدة في ذلك اليوم.

كان سعد يتخيل أن أحدهم يحاول قطع رأس شقيقته، واستمر بهذه الحالة حتى اشتد عليه ضغط الأعصاب الساعة الرابعة عصرًا، وخرج مندفعًا خارج البيت يردد: "راح هناك"، في إشارة إلى ما يعيشه من خيال.

وبدأ سعد يركض ويعتقد أنه يلاحق ذلك الشخص الذي يتخيله بأنه اعتدى على البيت، وكان يعيش ذلك الخيال دون وعي، حتى ركض لمسافة 4 كيلو ونصف، إلا أنه اقترب من مستوطنة "تينا" التي تقع جنوب بلدة الظاهرية والخليل.

وفي هذه اللحظة كان أهله يحاولون الإسراع واللحاق به وإمساكه وتهدئة أعصابه قبل أن يقترب من المستوطنة لأنهم يدركون خطورة المكان الذي لا يعرف الرحمة أمام أحد.

لكن سعد هناك اصطدم بالواقع، فقرب المستوطنة، تبعًا لكلام والده، يعيش مستوطن إسرائيلي يربي أغنامًا، الذي على الفور قام بإطلاق النار على صدر سعد ليرتقي شهيدًا، شاب في مقتبل العمر أعدم بدم بارد وترك ينزف حتى نال الشهادة.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل بعد برهة من الوقت، جاءت قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي وأحاطت المكان، ووضعت سكينًا بجوار جثة الشهيد متهمة إياه بمحاولة تنفيذ عملية طعن في "منطقة خالية"، حسب كلام والده.

يكمل والد الشهيد الحديث عن تفاصيل الحوار الذي دار بينه مع ضابط المخابرات، في حاجز "نيتار" جنوب الخليل: "سعد مريض ويعاني من ضغط أعصاب على المخ ولدينا تقارير طبية بذلك". هكذا رد والد الشهيد على أسئلة الضابط بعد أن عرض عليه صورة الجثة.

صدمة كبيرة

انهار قيسية الأب، وتعرض لصدمة كبيرة وعدم إدراك نتيجة ما رأى من جريمة تعرض لها نجله، وقال: "بعد ذلك لم يكتف الضابط بأخذ إفادتي بل أرسل سبعة جيبات عسكرية محملة بالجنود وقاموا باستجواب والدة وشقيقة سعد وكانت الإجابات أنه كان يتخيل شيئًا".

"أخذ ابنكم سكينًا وذهب للمستوطنة؟".. كان السؤال من الضابط لذوي الشهيد، ليؤكدوا له أنه ركض دون أن يحمل أي شيء.

ولا يخفي والد الشهيد أن نجله كان بمرحلة علاج مكثفة للتخلص من هذا المرض، وأن الأطباء والشيوخ أكدوا أنه سيتماثل للشفاء بعد قرابة عشرة أيام، إلا أن نجله قبل استشهاده قصر في تناول العقاقير المهدئة للأعصاب ما جعل حالته تزداد سوءًا في يوم الاستشهاد.

يصف والد الشهيد نجله بأنه كان رجلا بكل ما تحمل الكلمة من معنى قبل تعرضه لمرض الأعصاب، يتحدث بكلمات الحق أينما كان، يحبه الجيران والأقرباء ودائمًا يبتسم، ويفرض قوة شخصيته على الآخرين، مستذكرًا أن نجله حينما كان يعمل، كان لا يبخل بإعطاء دخله لعائلته، ويوزع منه أيضًا على بعض أصدقائه.

ويرفض قيسية التوجه لرفع دعوى قضائية ضد المستوطن الذي قتل نجله، ويختم قائلًا: "تراجعت عن الشكوى، لأن القاتل والقاضي يهوديان، فيبقى ذلك عدوًا لك ولن يعطيك حقك وسيقوم بحماية المستوطن المجرم (..) لقد قتل إنسانًا وكان قادرًا على أن يصيبه بإحدى قدميه رغم أنه لم يعتدِ عليه".

وفي 17 مارس/ آذار الماضي سلمت قوات الاحتلال جثمان الشهيد لذويه، حيث شيع إلى مثواه الأخير في بلدة الظاهرية.

اخبار ذات صلة