فلسطين أون لاين

قرن من الزمان من عمر لبنان

في 1 سبتمبر 1920 أعلن الجنرال "غورو" ولادة دولة لبنان الكبير، بعيد اعتراف الدولة العثمانية، بموجب معاهدة سيفر ومؤتمر سان ريمو 1920 وتخليها عن الولايات غير الناطقة باللغة التركية، ثم إيكال عصبة الأمم انتداب فرنسا لإدارة هذه الدولة المقتطعة من ولاية سورية، وانتهاء بإقرار الجمهورية التركية رسميا بالتخلي عن مكونات ولاية سورية، والولايات العربية الأخرى في معاهدة "لوزان" 1923-1924 واعطاء هذا الوضع طابعا قانونيا، أدى إلى الاعتراف الرسمي بميلاد دولة لبنان الكبير، الذي أصبح جمهورية لبنان عام 1926، وانتخاب "شارل دباس "أول رئيس لها، وذلك في ظل الانتداب الفرنسي.

وهكذا كان لا بد من هالة تطرح على هذا الجسم الوليد المستغرب "والمقطع الموصل" في ذلك الوقت، بفصل أربعة أقضية من ولاية دمشق؛ وهي: حاصبيا، وراشيا، والبقاع، وبعلبك، إضافة إلى ما تبقى من ولاية بيروت السابقة، وسنجق صيدا، وسنجق طرابلس، وملحقات ولاية عكا والجنوب، وما تبقى من سناجق الشمال.

في هذا اليوم التاريخي اعلن الجنرال غورو في حفل بهيج في مرج الصنوبر، جنوب بيروت، ولادة لبنان الكبير، بحضور كبار رجال الدولة، والشخصيات من مختلف الطوائف، ولادة يرعاها الانتداب والجمعية العامة لعصبة الامم.

" لبنان الكبير" ذا يختلف عن "لبنان الصغير" مساحة وسكانا. هذا اللبنان الكبير ولد من أب فرنسي وهو الجنرال غورو، وربا في أحضان الانتداب الفرنسي، كما عبر عنه أحد كتاب فترة ذلك الوقت.

أما لبنان الصغير الذي عرف بمتصرفية جبل لبنان، فقد فرضته على الدولة العثمانية أربع دول أوروبية 1861، لرعاية المسيحين في أعقاب مذابح 1840، 1860 بين الدروز والموارنة، وقد استغلتها الدول الأربع (روسيا وبروسيا وفرنسا وبريطانيا) بزعم حماية المسيحين، وبالذات الطائفة المارونية، في حين كانت الدولة العثمانية تعاني سكرات الضعف والضياع.

هذا، وقد اقتضى الأمر أن يكون متصرف هذا السنجق (لبنان الصغير) مسيحيا من الموارنة ومن خارج لبنان يعتمده "الباب العالي" وفق إجراءات معينة تحفظ للموارنة استقلالًا ذاتيًّا يحمي مصلحتهم كأقلية لها شأنها على بقية الطوائف في تلك الحقبة.

وهكذا استمر الوضع الاستقلالي في هذه المصرفية، والذي تم اختراقه عام 1915 في غمار الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ليعود نواة لدولة تم تكبيرها، وفق معاهدة سيفر ومؤتمر سان ريمو "1920" كما أسلفنا في صناعة دولة لبنان الكبير بمساحة 10854 كيلومترًا مربعًا تكون الغالبية في سكانه للمسيحيين، ومن ضمنهم سكان متصرفية جبل لبنان "لبنان الصغير" من نفس الطائفة رغم احتجاجات ورفض المسلمين السنة، الذين كانوا أغلبية قبل ضمهم كنواة إلى هذه الدولة الوليدة (لبنان الكبير) وقد أصبحوا أقلية بعد الضم!

بدأت الولادة هذه متعسرة، وغير مقبولة، لكن الرعاية الانتدابية (الاستعمارية) الفرنسية فرضتها بالترهيب والترغيب، حتى ارتضى "السنة هذا الوضع، الذي أمدهم بالامتيازات الأكثر من غيرهم، عدا الموازنة حتى أنه سمح لأحد أعيان طرابلس السنة "محمد الجسر" ليكون مرشحا لرئاسة الجمهورية خلفا للرئيس الأول من الطائفة الأرثوذكسية، وكان دستور هذه الجمهورية يضمن الديمقراطية دون طائفية، إلى أن قرر الميثاق الوطني عام 1943 في فجر الاستقلال تحديد الرئاسة الاولى للمسيحيين من الطائفة المارونية، ورئاسة الحكومة للطائفة السنية، ورئاسة مجلس النواب لمسلمي الطائفة الشيعية، وتوزيع بقية الوظائف على بقية الطوائف، وفق الاحصاء الاول عام 1932 في ظل الانتداب، والذي أسفر عن الحجم الأكبر للطائفة المارونية، ثم السنة فالشيعة، وبقية الطوائف البالغة 18 طائفة كانت تتعامل إداريا وقانونيا بموجبه دون القيام بإحصاءات بعد إحصاء عام 1932 السالف الذكر.

وقد تغيرت الخريطة الديموغرافية في هذه الفترة الطويلة بعد هذا الإحصاء، رغم استقلال لبنان عام 1943 برعاية "بشارة الخوري" ورياض الصلح وصبري حمادة، عن الطوائف الثلاث الرئيسة.

الشيء الذي استمر إلى يومنا هذا، مع بعض التعديلات الطفيفة التي أدخلت على هذا الميثاق في اتفاق الطائف 1990، الذي قسم الحكم مناصفة بين المسلمين والمسيحين، والذي حد من سلطات رئيس الجمهورية كرئيس لمجلس الوزراء بالإضافة إلى منصبه، وأصبح بإمكان رئيس الحكومة أن يكون رئيسا لمجلس الوزراء.

وعليه فقد مضى لبنان بطوائفه الثماني عشر طيلة المائة عام منذ 1920 محل تجاذبات وشد وارخاء، وقد حاولت الصهيونية بالتناغم مع سلطة الانتداب والحكومات الفرنسية المتعاقبة، قبل وبعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) لإفراغ جنوب لبنان من " الشيعة " بعد تهجيرهم إلى العراق، حيث الأكثرية الشيعية، ووجود العتبات المقدسة هناك، مستهدفة إقامة دولة "مارونية" في لبنان، لتكون مثلًا يحتذى نحو إقامة دولة يهودية على أساس طائفي في فلسطين، وجدت من يؤيدها من بعض الانعزاليين والطائفيين في لبنان وخاصة من الموارنة برعاية السلطة الانتدابية الفرنسية!

ولما لم تستطع هذه المحاولة تحقيق هدفها هذا، اتجهت نحو زحزحة حدود فلسطين المستهدفة أصلًا وفق وعد بلفور، بغية تقريبها من مصادر المياه الطبيعية في نهري الوزاني والليطاني، نية السيطرة على مصادر المياه لمشروع دولتهم في فلسطين الذي تحقق عام 1948 وهزيمة الدول العربية السبع أمام العصابات الصهيونية، وإقامة دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل".

ولدى إقامة هذه الدويلة، بمساعدة وتأييد القوى الاستعمارية، برئاسة أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، رأت لبنان أن قوتها في ضعفها.

ووقفت تتأرجح بين مواقف طوائفها المتناغمة والمتعارضة مع دولة الكيان الصهيوني تلك.

وعليه فقد بدأت التضييق على الفلسطينيين ووجودهم في لبنان، تضييقُا تقوده القوى الانعزالية، مسنودة من النظام الرسمي، الداعي إلى إبعاد لبنان عن الصراع مع العدو الصهيوني!

وبغض النظر عن المرحبين بإخوتهم الفلسطينيين في لبنان من المسلمين، والمسيحيين على الصعيدين الشعبي والرسمي، إلا أن إزعاج الفلسطينيين لم يزل قائمًا رغم التأكيدات الفلسطينية بأن لا مطامع للفلسطينيين في لبنان لا إقامة ولا توطينا ولا تجنيسا، ما حدا بكثير من فلسطينيي لبنان إلى مغادرة لبنان إلى المشارق والمغارب البعيدة، بعدًا عن المناكفات والقرف المتواصل منذ أيام.

اللجوء بعيد نكبة عام 1948...

اللجوء إلى لبنان كان مرًّا، لكن الهروب منه كان أكثر مرارًا وقرفًا..!

يا للمهانة والإذلال.!

أما نضجت طبخة لبنان، بعد قرن من الزمان، ليكون قادرا على استضافة نفر من الفلسطينيين، أتت بهم أعفار الزمان السياسية إلى أرض جيران، يفترض أن يكونوا أهلا وعشيرة، وإخوة أخيار..!

ترى، هل نبارك للشعب كله في لبنان بعد قرن من الزمان "يوبيل ذهبي"؟

أن سلخته عوادي (سايكس بيكو) والألاعيب البهلوانية الصهيونية والإمبريالية الغربية، والغباء العائلي سلخه عن سوريا الكبرى، وسلخت مثله فلسطين لتكون "وطنًا" لشذاد الآفاق، والعرب الأمجاد مخدرون أو نيام؟

لكن، نقول بملء فينا نقول للأغلبية الحبيبة في لبنان، دمتم عربًا أحرارًا وأبطالًا، يا من وقفتم أمام مؤامرة تكبير وتهجين لبنان، بعد فسخ الجغرافيا العربية في شام العروبة في إثر انهيار الدولة العثمانية ومحورها في الحرب العالمية الأولى.

نبتهج أو ننزعج بهذه المناسبة لا يهم، طالما أن العروبة في لبنان متجذرة، في وطن حدوده الكرامة والعز والمجد.

وأخيرًا فلتهنأ يا لبنان، طالما أن بلاد العرب أوطاني.