الاجتماع اليوم للأمناء العامين لجميع فصائل العمل الوطني هو ضرورة ملحة وعاجلة، خاصة في ضوء الاحداث والتطورات التي تعصف بقضية شعبنا وحقوقه الوطنية الثابتة، وللتذكير كانت هناك مطالبة بعقد اجتماع الإطار القيادي المؤقت (لجنة تفعيل المنظمة)، الذي عقد مرة واحدة، المنصوص عليه في اتفاق القاهرة الموقّع في أيار 2011، الذي يتمتع بصلاحيات واسعة إلى حين عقد مجلس وطني توحيدي تنبثق عنه لجنة تنفيذية ومجلس مركزي بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولا أعرف لماذا أهمل برغم من أهميته مهما كانت السلبيات، وبعد ذلك استُبدلت المطالبة بعقد الإطار القيادي المؤقت بالدعوة إلى تشكيل وتفعيل اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني التوحيدي، التي عقدت هي الاخرى اجتماعًا يتيمًا في كانون الثاني 2017، ولم تواصل، ثم انتقلت المطالبة إلى عقد اجتماع قيادي بمشاركة الأمناء العامين الفصائل، وها هو أخيرًا يرى النور من بيروت.
المهم من كل هذه الأطروحات الوصول لحل يثلج صدورنا بإنهاء الانقسام الاسود الذي قارب على عقد ونصف العقد من تاريخ التراجع العربي والدولي لقضيتنا الوطنية، فلا يختلف اثنان في فلسطين على ان تراجع الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية يعود لعدة أسباب في مقدمتها الخلل الذاتي في ساحتنا الداخلية، بعد ان فشلت القوى والفصائل الفلسطينية على مدى سنوات طويلة في انهاء الانقسام المأساوي الذي لا يزال مستمرا حتى اللحظة بالرغم من الخطوات الجزئية التي جرت مؤخراً تحت شعار التقدم نحو انهاء الانقسام، هذا على الرغم من التحديات الخطيرة الماثلة أمام شعبنا وقضيته.
إننا على يقين لا أحد منا بريء من هذا الانقسام، فكافة القوى والفصائل تتحمل مسؤولية هذا الفشل وبالتالي المسؤولية عن تداعيات تراجع القضية عربياً ودولياً، وهرولة بعض الانظمة العربية نحو التطبيع مع دولة الاحتلال رغم احتلالها غير المشروع وانتهاكاتها الجسيمة في الاراضي المحتلة واستمرارها في تنفيذ مخططات تهويد القدس والمساس بالأقصى والمقدسات عموماً.
كذلك لا مبرر ولا عذر لهذه الهرولة العربية نحو التطبيع ولا للأصوات التي تنطلق من بعض العواصم العربية التي تهاجم الفلسطينيين وتكيل لهم الاتهامات زوراً وبهتاناً، ولكن لا يمكن لهذا كله أن يحدث بتاتا لو كانت جبهتنا الفلسطينية الداخلية موحدة وقوية كما كانت عليه قبل الانقسام، وما كان هذا الاحتلال ليستطيع اختراق الصفوف العربية لو وقف شعبنا موحداً بكل قواه وواصل نضاله المشروع باستراتيجية واحدة وصوت واحد مدوٍ يطالب بحريته واستقلاله، ويكشف للعالم اجمع حقيقة ما يرتكبه الاحتلال ومستعمروه من جرائم يومية في الاراضي المحتلة.
فكبر حجم المؤامرات المتمثلة بصفقة القرن وسياسة الضم والتوسع والتهويد وقيام بعض الدول العربية بالتطبيع مع دولة الاحتلال في الوقت الذي تواصل فيه هذه الدولة وأجهزتها القمعية، انتهاكاتها بحق الارض والانسان والمقدسات تتطلب عقد مثل هذا الاجتماع ليس فقط لبحث سبل التصدي لتحديات المرحلة والتي هي من أصعب وادق المراحل التي تمر بها قضيتنا، ولكن أيضاً من أجل اتخاذ قرارات عملية بعيدة عن بيانات الشجب والاستنكار والرفض والتي أصبحت لا تجدي نفعاً وفقط من أن يسجل التاريخ الرفض بجميع قياداته في الداخل والخارج وجميع الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية إن رفضت هذه المؤامرات التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية وتحديداً إدارة الرئيس ترامب الذي يسعى من خلال دعمه الاحتلال على حساب شعبنا وقضيته الوطنية الى كسب انتخابات الرئاسة، في تشرين الثاني القادم.
فالمطلوب من هذا الاجتماع الذي من المقرر والمتوقع ان يحضره عبر «الفيديو كونفرنس» الامناء العامون للفصائل المتواجدين في الخارج ومن بينهم الاستاذ اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وكذلك الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي الاستاذ زياد النخالة، ان يكون خطوة متقدمة نحو استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المدمر الذي أضر بقضية شعبنا وألحق بها خسائر فادحة لدرجة انها أصبحت في مرحلة من المراحل على آخر سلم الأولويات العربية والاسلامية والعالمية.
فجميع الفعاليات التي انطلقت مؤخراً ولا تزال ضد الضم والتطبيع شاركت فيها جميع الفصائل والقوى، الأمر الذي جسد بكل معنى الكلمة الوحدة الميدانية في مواجهة هذه السياسات والانتهاكات التي هدفها النيل من شعبنا وارضه وقضيته.
كما ان مشاركة ممثلي كافة الفصائل في اجتماع للقيادة عقد قبل أيام برئاسة الرئيس محمود عباس، كانت هي الاخرى أحد المؤشرات على ضرورة استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام ليتسنى للجانب الفلسطيني الموحد مواجهة المخاطر التي تحيط بقضية شعبنا من كل حدب وصوب.
فهل يتمخض اجتماع الامناء العامين للفصائل كافة، عن قرارات على أرض الواقع تنهي المرحلة السوداء من تاريخ شعبنا، وتضع برنامج عمل وطني شامل وبموافقة كافة الاطراف وتنفذه على أرض الواقع بدلاً من الانتظار والتعامل مع الاحداث والتطورات كردات فعل والانتقال الى الفعل على الارض.
الآمال معلقة على هذا الاجتماع الذي يؤكد شعبنا على ضرورة أن يعيد الوحدة السياسية والجغرافية لشطري الوطن، وضرورة مشاركة جميع القوى الوطنية والإسلامية في القرارات بما يخص قضايانا وثوابتها الوطنية وبرنامج نضالي واضح المعالم يستند الى ارادة شعبنا وصموده الاسطوري واستعداده لمواصلة نضاله المشروع في الوطن والشتات على اساس برنامج اجماع وطني تتبناه كافة القوى وتلتزم بالعمل بموجبه، ولا يمكن أن يتم هذا إلا بإعادة اصلاح منظمة التحرير والتحرر من اتفاقاتها مع الاحتلال حتى لا يكون هناك شرطا واحدا أو املاء سياسيا من اي طرف خارجي ليفرض على هذا أو ذاك.
واخيرا، اذا ما استعدنا الوحدة وتشكلت جبهة فلسطينية واحدة تحشد كل القوى وعندها فقط يمكن وقف هذا التراجع المؤسف، والتقدم نحو انتزاع حريتنا واستقلالنا، فالمطلوب اليوم إنهاء الانقسام فوراً وتمتين جبهتنا الداخلية اولاً وهو ما سيثبت للاحتلال وللعالم اجمع ان شعبنا وقواه وقادته ماضون قدماً نحو تحقيق اهدافنا المشروعة وان شعبنا العظيم لن يسمح لكائن من كان بالمساس بحقوقه أو التطاول على تضحياته ونضاله أو محاولة القفز عن فلسطين شعبا وتمثيلاً وحقوقاً.