قائمة الموقع

دانا جندية.. حلم "الطب" لم يتلاشَ عند أول منعطف

2020-09-02T10:50:00+03:00

تحلّقت عائلةُ "دانا جندية" حول الهاتف الذي رنَّ معلنًا لتوِّهِ رسالة واردة جديدة، بعدما أمسك كلٌّ منهم بزمام قلبه وقد بات صوتُ نبضاتهم مسموعًا، فيكون معدل 94.3% هو اليقين لما تحدثت به الأنفس.

تسمعُ دانا النتيجة فتهمسُ لنفسها "مستحيل"، بعدما سلكت الدموع الطريق إلى عينيها وهي التي عقّدت الأحلام على مشروعِ "مُساعدة الإنسان" وعبّدت الطريق إلى حلم الطبِّ الطويل.

دانا جندية (18 عامًا) واحدة من الطلاب الذين لم تُسعفهم معدلاتهم للحاق بطموحاتهم، فما كان الاستسلام ضمن قائمة خيارتها، وإنما الإصرار على الهدف والعمل لتحقيق ذلك.

تحدِّيات

لم تستلم دانا للواقع الذي فرضه عليها معدلٌ لا يسمح لها بالالتحاق بكلية الطب البشريّ الذي حلمت به منذ الطفولة، "في اليوم الثاني من النتائج ذهبت إلى الجامعة وسجلتُ بكلية طب الأسنان لكونه أقرب التخصصات إلى الطب البشريّ، لكني لدى عوتي للمنزل شعرتُ بالحنق وتراجعتُ عن قراري" تقول دانا خلال دردشة مع صحيفة فلسطين وهي تُراجع تفاصيل البداية.

ثم تكون نصيحة "رشا" أم دانا هي المُنجي لها وسط لجّة الحزن الذي غرقت به، فأشارت عليها بالتسجيل في الدورة الثانية من امتحان الثانوية العامة، لتأخذ بيد ابنتها إلى خيط الأمل الأخير.

تخوفت دانا في البداية من أخذ هذه المخاطرة على عاتقها، ذلك أن الإعادة تحتاج إلى المجازفة بالتنازل عن الشهادة الأولى، والأخذ بنتيجة المحاولة الثانية فقط، "كنت أمام خيارين: إما أن أحسِّنَ معدلي وأحقِّق حلمي بالطبّ، أو لا أُحسِّنه وأجني بهذا عذاب الضمير أني استسلمت من أول مرة"، فتُقرر إعادة ثلاثة مباحث: اللغة العربية، والرياضيات، والفيزياء.

لم تحظَ دانا بمرحلة "النقاهة" التي يستحقها طالب "التوجيهي" بعد تعب الدراسة وتوتر الأعصاب عامًا كاملًا، فبدلًا من ذلك دأبت دانا على الدراسة من جديد منذ اليوم الرابع بعد النتيجة، وأعلنت الاستعداد الرسمي لنوبات السهر والاعتكاف على الكتب وتنظيم جداول الوقت والدراسة.

تسلل الكلام المحبط إلى مسامع دانا وعائلتها بأن امتحانات الدورة الثانية عادةً ما تكونُ "أصعب"، وأنها تهدرُ جهدها على ما لا فائدة منه، لكن هذا لم يضعف من عزيمتها مع ثقتها بالله ودعم أمها التي تقول: "كنتُ مؤمنة بقدرات ابنتي إلى أبعدِ حد، وأساندها في المسير إلى مبتغاها".

وكعادة الأمهات اللاتي يدعمن فلذات أكبادهنَّ حتى رمق الحياة الأخير، ذهبت أم دانا معها إلى الامتحانات يوميًّا، تنتظرها حتى لحظة الخروج من اللجنة والاطمئنان على كيفية سير إجاباتها بالشكل المطلوب.

انقشاع الغمَّة

تنقضي الاختبارات ومدةُ التصحيح، ثم يأتي وقتُ إعلانِ النتيجة لتُعاد تفاصيل المشهد الأول، مع الفارق أن هذه المرة قد وصلت مراكبُ دانا إلى برِّ الطب ورست على ضفافه بعدما حصلت على معدل "97%"، فتكونُ ضمن 1767 طالبًا/ة استطاعوا تحسين معدلاتهم خلال الدورة الثانية لامتحان الثانوية العامة، حسب ما أشارت له وزارة التربية والتعليم.

مع الحصار الذي فرضه "فيروس كورونا" لم تستطع دانا الخروج والاحتفال بما حققت، فتنطلقُ أصواتُ الزغاريد والطبول من منزلها تُبشِّر أن الحلم قد أصبح حقيقة، وأنَّ دانا تضعُ أولى خُطاها على طريق "إنقاذ الإنسان" كما تصف.

"أخي يكبرني بأربعة أعوام ويدرس الطب البشريّ، ورغم علمي بالصعوبات التي يواجهها عزمت على اللحاق به وتحمّل المخاطر" تتحدثُ دانا وقد حبست أنفاسها واستعدت لتعافرَ في هذا السبيل دونَ كلل.

حققت دانا ما طمحت إليه لكن تحديات الحياة لم تقف عند هذا الحدّ، فالطبّ لا تنحصر صعوبته في الدراسة فحسب، بل –أيضًا- في رسومه الباهظة وعبئه الماديّ على عائلتها مع وجود أخ لدانا لا يزال على مقاعد الدراسة في هذا التخصص، وأربع أخوات غيرها في مستويات دراسية مختلفة.

اخبار ذات صلة