يُجمع علماء الاجتماع على أن الشعب يتحد ضد المخاطر القادمة من الخارج باعتبارها تهدده كله بلا استثناء، وأن العدو لو خرق السفينة سيغرق الجميع في قاع البحر.
هذه قاعدة ليست خيالية، بل مستمدة من وحي تجارب الشعوب في كيفية تعاطيها مع أخطار الخارج، وإنه حين حدوث خطرٍ خارجيٍ يضع الجميع خلافاتهم جانباً.
ففي الحروب والأزمات يتبارى الجميع لتقديم أفضل ما لديهم من مهارات وخدمات كي يكون المجتمع على أفضل ما يرام.
في حالتنا الفلسطينية وفي غزة حيث أعيش، تعرضنا لحروبٍ كثيرة، ولا أبالغُ لو قلت بأن الحروب التي تعرضنا لها، لو تعرضت لها دول أُخرى لانهارت، لكنها معية الله ثم اتحاد الشعب مع هدفه وقواه المدافعة عنه.
وهنا ظهرت معادن أبناء الشعب، فكانت المبادرات الرائعة في كافة المجالات الإغاثية والخيرية والتعليمية والصحية، كلٌ يجتهد لتقديم واجبه على أفضل وجه، لأنه يدرك أنه إن لم يساهم في إطفاء الحريق في الحارة المجاورة لحارته، سيأتي الحريق لحارته ويحرق منزله.
كورونا العدو الخفي:
أحدث الأزمات والحروب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هي " حرب كورونا" نعم حرب، بل أصعب من الحرب التقليدية، ففي التقليدية يوجد قواعد للحرب، وأولها تحييد المدنيين من الرجال والأطفال والنساء، ويوجد هدنة ومفاوضات وقنوات اتصال للتهدئة ويوجد مواقع معروفة للمتقاتلين، لكن في حالة كورونا فالأمر أشدُ تعقيداً، فالعدو ليس غير معروف فقط ، بل إنه غير مرئي، رغم صغر حجمه، ومعروف بأنه لا يميز بين رجل وامرأة وطفل، فالكل عنده سواء.
غزة وكورونا:
"السعيد من اتعظ بغيره " حكمة لها ولكل من يقتنع بها الإحترام والتقدير، لأن من جملة ما تقوم عليه هذه الحكمة الاستعداد والجهوزية لأي شيءٍ، واستحضار نماذج من واقع الآخرين للاستئناس بها لمعالجة أي طارئ.
كورونا ذلك الضيف الثقيل الذي فرض عضلاته على الكرة الأرضية منذ ولادته، عجز عن دخول غزة، رغم افتقادها لأبسط المقومات الصحية الطبية.
فترى ما الذي أخّر دخول كورونا لغزة ؟
1_الاستعداد المسبق من الجهات الرسمية في كيفية التعامل مع الفيروس، ووضع الخطط والخطط البديلة في حال دخول الفيروس لغزة.
2_ الحجر الصحي الذي فرضته الجهات الرسمية بغزة حيث زادت مدة الحجر لأكثر من 20 يوما أخذاً بمبدأ الاحتياط.
3_استلهام العبر والعظات من تجارب الآخرين في كيفية التعامل مع الفيروس أخذاً بمبدأ " درهم وقاية خير من قنطار علاج" خاصة أن غزة تفتقد لدرهم علاج.
4_الوعي الجمعي عند أهل غزة بضرورة التعاون مع الجهات الرسمية، وبأن الفايروس لو دخل غزة، سيحدث آثاراً سلبيةً لا نقدر جميعاً على حملها.
غزة إلى أين؟
غزة الآن ليست كما غزة في أي وقت مضى، فهي الآن رهينة محابس كثيرة ( الانقسام_ _الحصار_ الهجران العربي_ العدوان الصهيوني_ كورونا) فالعدو يحاول استثمار "كورونا " من أجل الضغط على غزة لتحقيق ما يريد، لذا تحاول قيادة غزة الخروج من عنق الزجاجة بأقل الخسائر دون أن تبيع مبادئها.
وقبل وداعكم: كل التحية والتقدير لكل من يعمل من أجل منع تمدد فيروس كورونا، وأخص بالذكر رجال الصحة والداخلية .