انتشر وسم "فلسطين ليست قضيتي" في الفضاء الالكتروني مؤخراً عاكساً حالة التيه العربي التي بلغت أوجها بإعلان تطبيع العلاقات بين الامارات العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وفاتحاً الباب أمام حالة من طفح العقد النفسية والأحقاد والأضغان المدفونة التي تكشف انحراف البوصلة وغلبة مصالح وهمية على ثوابت الأمة العربية والإسلامية، الأمر الذي يوهم قادة الاحتلال الإسرائيلي بميلاد جيل عربي جديد يدير ظهره للقضية الفلسطينية، بما يتيح المجال أمامه للاستفراد بالشعب الفلسطيني وتسوية صراع امتد لعقود وفق منطق القوة الغاشمة.
إن التبجح بإعلان التخلي عن قضية فلسطين يكشف تفشي جراثيم فكرية وثقافية في المجتمع العربي، لاسيما أن ظهور مثل هذا الهراء لا يأتي من فراغ، وإنما من بيئة جاهزة لاستقباله والتعاطي معه، وبعد أن كانت هذه المواقف والأقوال حبيسة الغرف المغلقة والضيقة بات يصدح بها في الفضاء الإلكتروني، وتمرر عبر مسلسلات درامية ترمي لقتل روح الانتماء لقضية فلسطين في نفوس الأجيال العربية، وتعطي الضوء الأخضر للاحتلال الإسرائيلي للمضي في مخططاته الرامية لنهب المزيد من الأرض الفلسطينية وطمس معالمها العربية والإسلامية.
ربما لا يدرك مروجو عبارة "فلسطين ليست قضيتي" مدى خطورتها، إذ إنها تمثل إعلان براءة من قضية المسلمين الأولى، وتعكس مدى التخلي عن مسرى النبي الكريم، وتنطوي على خذلان مبين للمستضعفين، ومن المعلوم أن "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" كما ورد في الحديث النبوي، إضافة إلى أن هذه العبارة قد تدخل في سياق كلمة "لا يلقي لها بالاً فتلقي بصاحبها في النار سبعين خريفاً"، لذا، حري بمن يجاهروا بها أن يخافوا على أنفسهم، لا على فلسطين، فهي منتصرة بهم وبدونهم، لاسيما أن الشعب الفلسطيني عرف طريقه إلى التحرير ولسان حاله "ما حك جلدك مثل ظفرك".
إن ما يدعو للكتابة بشأن وسم "فلسطين ليست قضيتي" ليس حجم انتشاره، إذ أنه محدود جداً مقارنة بالجماهير العربية العريضة المؤمنة بالقضية الفلسطينية، لكن فداحة المعنى وبجاحة من يروجون لذلك تقتضي التحذير والتنبيه من خطورة الانجرار لهذا المربع الآثم، ولئلا نفتح المجال أمام التغرير بمن غيبوا عن أبجديات الصراع العربي الإسرائيلي، والأهم من ذلك، لئلا يسجل التاريخ أن هذه الحثالة كانت تصول وتجول دون أن تجد من يرد خبثها، ويفضح مكرها، ويكشف زيفها.
وكم يعز على المرء حين يستحضر راشيل كوري وغيرها من المتضامين الأجانب مع القضية الفلسطينية -التي ينحاز إليها كل صاحب ضمير حي في هذا العالم- أن يرى من ينطق العربية يتخلى عنها بكل سهولة وبرود، فكيف لهؤلاء أن يتلوا سورة الإسراء؟!، أم أنهم سيكونوا مضطرين لحذفها من القرآن الكريم الذي يقيم عليهم الحجة، فــ "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" توثق عرى ترابط التاريخ والجغرافيا والعقيدة.
إن من يتخلى عن قبلة المسلمين الأولى ومسرى النبي الكريم يسهل عليه بعد ذلك التخلي عن المسجد الحرام والمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم، فمن يهن يسهل الهوان عليه.. وما لجرح بميت إيلام، لذا، لا يفرح سادة القوم بمن يخففون عنهم وطأة الخيانة بالعبارات المنمقة، ويشجعونهم على المضي قدماً في درب بيع قضية فلسطين في سوق النخاسة الدولية مقابل كراسي زائلة، وعليهم أن يدركوا أنفسهم قبل فوات الأوان، فصفحات التاريخ مشرعة، وأما أن يشاركوا في شرف تحرير فلسطين أو يحفظوا مواقعهم في مزابل التاريخ التي سبقهم إليها كل من حاد عن الطريق، ولهم الخيار.
يا هؤلاء، لقد اشتد عود فرسان فلسطين البواسل، وشقوا طريقهم نحو المسجد الأقصى المبارك بأظفارهم، وصنعوا أسلحتهم بأيديهم، وباتوا يرهبوا الاحتلال الذي يحسب لهم ألف حساب، ولا يحسب لكم أي حساب، فالموساد يصول ويجول في عواصمكم وحين تمتد يده على غزة تبتر، بل لقد حول فرسان المقاومة أسطورة الموساد إلى أضحوكة في عمليات أمنية أطلق عليها "سراب" و"بيت العنكبوت"، وبات جيش الاحتلال يقهر ويذل في عقر مواقعه العسكرية المحصنة، وأخالكم تذكرون مشاهد عملية ناحل عوز التي تبشر بدنو دوس عرش كيان الاحتلال الزائل، فالأمر مسألة وقت ليس إلا.
لا عليكم، لا تجهدوا أنفسكم بإعلان التخلي عن قضية فلسطين، فالشعب الفلسطيني لا يضره من خذله، وهو ماض في درب التحرير مهما عظمت التضحيات، وواصلوا أنتم سهراتكم مع قادة الاحتلال وزينوا لأنفسكم الخيانة وتلطخوا بالعار كما شئتم، فالتاريخ لا يرحم.