اعتداءات الاحتلال على غزة في الأيام الأخيرة، وسط تهديدات واضحة من فصائل المقاومة بأن الوقت قد حان لإنهاء حصار قطاع غزة، وأن كافة المحاولات السابقة لم تصل إلى النتيجة المرجوة وهي كسر الحصار بشكل كامل، أو تنفيذ ما اتفق عليه في مراحل متعددة، يرتكز على تحسين الأوضاع الإنسانية وإعادة تأهيل البنية التحتية، والسماح بحركة الأشخاص والبضائع، وتسهيل إدخال البضائع لغزة بعيدًا عن الإجراءات التي تتسبب بانهيار الاقتصاد.
تهديد المقاومة تُرجمَ سريعًا بالرد عبر استهداف المستوطنات المحيطة بغزة، ردًا على قصف مواقع المقاومة، وقد تذرع الاحتلال بأن اعتداءاته جاءت ردًا على الأدوات التي يستخدمها الشبان الثائر رفضًا للحصار، وتأكيدًا على حقهم في استخدام كافة الأدوات الشعبية والعسكرية لكسر الحصار، وهي قاعدة تم إرساؤها خلال مسيرات العودة التي استمرت بين مارس 2018 حتى يناير 2020، المعروفة بمعادلة القصف بالقصف.
جاء موقف المقاومة ردًا على محاولة الاحتلال تغيير قواعد الاشتباك بحيث يتم قصف مواقع المقاومة ردًا على البالونات الحاقة، وهذه معادلة تمس المقاومة على صعيد التكلفة وإيقاع خسائر فادحة، وهو ما حدث الفترة الماضية، وكذلك إشغال المقاومة في بناء وترميم الأضرار، إلى جانب المس بهيبتها، وإظهارها بمظهر العاجز على الرد على غطرسة الاحتلال.
رد المقاومة لم يكن عبثيًا ولم يأتِ متسرّعًا، بل جاء بعد رسائل تحذيرية واضحة وإطلاق للصواريخ التجريبية، وتصريحات قادة الفصائل بأن صبرهم على اعتداءات الاحتلال بدأ ينفد، ومع ذلك جاء الرد مدروسًا ومحدّدًا في سياق رد الاعتداءات وإبقائها في مستوى يساعد الوسطاء على القيام بدورهم، لإعادة الأمور لنصابها، بوقف اعتداءات الاحتلال، وكذلك وضع تصور كامل لكسر الحصار وبدء تطبيقها سريعًا دون تلكؤ، وخاصة أن الأوضاع القائمة لم يعد من المنطقي القبول بها أو معايشتها.
الاحتلال الاسرائيلي يخطئ التقدير مجددًا، حيث يركن في كلّ مرحلة لتقديرات تقوم على أن حماس في غزة مكبلة ولا تستطيع التحرك، وأن مزيدًا من الضغط الاقتصادي يمكن أن يقود إلى تحرك داخلي ضدها، وأن مزيدًا من الاعتداءات يمكن أن يجبرها على القبول بمعادلة الاحتلال، باعتبارها الجهة التي تسيطر على قطاع غزة، وكذلك تمتلك أكبر قوة عسكرية في غزة.
رئيس الأركان كوخافي أخطأ التقدير بقوله: إن الموجة الحالية ستنتهي بعد يومين، لكن من الواضح أنها لا زالت في البدايات، وأن حماس مستعدة للمواجهة إذا فُرضت عليها، ويمكن أن تذهب بعيدًا في هذه المرحلة، لوجود قرار إستراتيجي لديها بأن الحصار يجب أن ينتهي، ولن تقبل بسياسة الإغراق البطيء أو الموت البطيء.
لذلك قد نشهد مرحلة جديدة من التصعيد تقود نحو إعادة ترتيب المعادلة من جديد بين الجانبين في مقدمتها رفع الحصار عن قطاع غزة، وأن الاحتلال هو وحده من يتحمل المسؤولية، ولن يتمكن من ترحليها إلى أطراف أخرى، مثل: مصر وقطر والسلطة، وأنّ معادلة القصف بالقصف هي مقدمة لمعادلة أكبر، تقود نحو تصعيد كبير، لكن لا تصل للحرب، لعدم رغبة المقاومة في ذلك، وحرصها على تجنيب القطاع حربًا، لكنَّ تخبُّط الاحتلال لا يعرف إلى أن يمكن أن يصل.