يوافق اليوم 21 أغسطس/آب، ذكرى استشهاد عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس م.إسماعيل أبو شنب، الذي استطاع خلال مسيرته الجهادية والعلمية الجمع بين العمل السياسي والنقابي والأكاديمي.
والمهندس كان من الشخصيات المحبوبة في أوساط الفلسطينيين الذين بكوه بحرقة بعد إعلان استشهاده في عملية اغتيال نفذتها طائرات حربية إسرائيلية سنة 2003.
كان الشهيد أبو شنب المكنى بـ"أبي الحسن" إسلاميًا مخضرمًا - يقول رئيس مركز بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات، د. أحمد يوسف- عرف حركة الإخوان المسلمين منذ كان طالبًا في الثانوية العامة بمعسكر الشاطئ بغزة، وقد سمحت له سنوات الدراسة في جمهورية مصر العربية بأن يلتقي بقيادات تاريخية وكوادر نضالية من حركة الإخوان المسلمين هناك.
ويعد أبو شنب صمام أمان على الساحة الفلسطينية، لما يتمتع به من أخلاقيات عالية ومهارات إدارية متميزة، ووعي سياسي ملحوظ، وصداقة للإخوة في مختلف الفصائل الفلسطينية، وكانت له كذلك حظوة ومكانة عاليتان لدى الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حماس والأب الروحي للحركة الإسلامية في فلسطين.
البدايات الأولى
ويتابع يوسف في مقال له: ربما كانت مرجعية هذه العلاقة الوطيدة بالشيخ أحمد ياسين تعود إلى سنوات البدايات الأولى للعمل الإسلامي في قطاع غزة، حيث كان أبو شنب يقيم في مخيم الشاطئ الشمالي الذي يقيم فيه الشيخ أحمد، وقد عملا معًا لسنوات عديدة هناك، قبل أن ينتقل الشيخ أحمد إلى حي الصبرة في سكن قريب من مركز نشاطه بالمجمع الإسلامي.
وكان أبو شنب سافر إلى أمريكا في أوائل الثمانينيات، وكان هناك العديد من الطلاب العرب والمسلمين يقيمون في ولاية " كولورادو"، حيث يوجد الكثير من الجامعات والمعاهد العلمية المتخصصة في مجالات الهندسة والتقنيات الصناعية.
كما كان من السهل على التجمع الطلابي في المدينة والجامعة أن يتعرف إلى المهندس أبو شنب لكثرة تردده على المسجد للصلاة، وعمله على تسهيل وإنجاز مهمات التحاق الطلاب الجدد بالجامعة بحكم أقدميته هناك.. لم يطل الوقت حتى اختاره الطلاب ليكون رئيساً للمركز الإسلامي، وإماماً للمسجد التابع له.. فالرجل إذا جلست معه لا تملك إلا أن تحبه وتسمع له.
ووصف بأنه شخص مثقف وواسع الاطلاع دينياً وسياسياً، ومتواضع شديد الأدب، وصاحب حكمة وخُلق حسن، كما أنه كان سمحاً بشوشًا لا تغادر الابتسامة وجهه.
وشهدت سنوات الثمانينيات على الساحة الأمريكية صراعات سياسية وتنظيمية بين مختلف التجمعات الطلابية، وفي إطار هذه الأجواء المحمومة من العلاقات المتوترة بين الطلاب ظهر المهندس أبو شنب ليكون رجل المرحلة بينهم، وكانت مساهماته ملحوظة في التوفيق بين تناقضاتهم وجمع صفوفهم، والحفاظ على عافية طاقاتهم الحركية، وتوظيفها لما يخدم مشروع الدعوة الإسلامية من ناحية، ومواجهة النشاط الصهيوني بالجامعة من ناحية أخرى، وفق د. يوسف.
الانتفاضة الفلسطينية
بعد حصوله على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية، عاد أبو شنب إلى عمله في جامعة النجاح، ومن ثمَّ إلى غزة محاضراً في الجامعة الإسلامية، وساهم في تطوير هذا الصرح الأكاديمي، وجدد نشاطه المجتمعي البارز في نقابة المهندسين الفلسطينيين.
ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الحجارة) في الثامن من ديسمبر 1987، كان أبو الحسن أحد أبرز رموزها، بحكم قربه من الشيخ أحمد ياسين، وكان بخبرته وتجاوبه، والحكمة التي اتسم بها، من أكثر من يلجأ إليهم الشيخ طلباً للمشورة والرأي.
وشغل الشهيد أبو نشب عدة مواقع قيادية سياسية وإعلامية، خلال سنوات الانتفاضة الأولى، وتسلم مسؤولية قيادة حركة حماس بعد اعتقال الشيخ أحمد ياسين، في حين سجلت الانتفاضة الفلسطينية الكثير من إبداعات المقاومة الشعبية والجهادية في عهده، التي على إثرها تمَّ اعتقاله، وأدخل سجون الاحتلال لعدة سنوات، فيما عرف بـ"الضربة الثانية" للحركة في مايو 1989، التي استهدفت اعتقال حوالي ألف من قيادات وكوادر حركة حماس، إثر عمليات الأسر الشهيرة لبعض جنود الاحتلال.
وبرز اسم أبو شنب كأحد أبرز القادة السياسيين لحركة حماس، والمتحدث الرسمي باسمها في وسائل الإعلام الغربية والعربية، نظرًا لقدرته على الحديث باللغة الإنجليزية، فغالباً ما كان يدلي بالتصريحات للصحف والمجلات ووكالات الأنباء الأجنبية لما له من كاريزما، ولأنه رجل العلاقات العامة في الحركة.
وخلال جلسات الحوار التي تمت بين الفصائل في عام 2002م، حول ما تسمى "وثيقة آب"، لتحقيق توافق وإجماع فلسطينيين بين الكل الوطني والإسلامي، كان إسماعيل أبو شنب أحد الذين ساهموا في صياغتها والدفاع عنها، باعتباره كان ممثلاً لحركة حماس في لجنة المتابعة الخاصة بالانتفاضة، التي كانت تضم شخصيات من القوى الوطنية والإسلامية وبعض المستقلين.
نجله حمزة أبو شنب، يقول في مقال: "لم أكن أعلم قبل ساعات الظهر ما سر سعادة والدي المفرطة! وما سبب حماسه ودفاعه المستميت عن عملية الشهيد رائد مسك في وسط مدينة القدس، إلا أن صواريخ الاحتلال التي انهمرت على سيارة والدي أجابت عما يدور في خلدي، فالقدس هي قلب الصراع مع الاحتلال، والعمل المسلح هو رأس مال المقاومة في فلسطين".
وفي 10 من يونيو/حزيران 2003م، أعلنت حكومة الاحتلال عن حملة واسعة لاغتيال قادة حركة "حماس" السياسيين، فلم تكن قد مضت أشهر قليلة على محاولة اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، حتى استهدفت طائرات الاحتلال سيارة مدنية بعدة صواريخ غرب مدينة غزة أدت إلى استشهاد أبو شنب واثنين من مرافقيه، وإصابة 19 فلسطينيًا.