فلسطين أون لاين

​اليوم الذكرى الـ 13 لاستشهاده

شخصية عبد العزيز الرنتيسي جمعت كل المعالم

...
الشهيد عبد العزيز الرنتيسي (أرشيف)
غزة - يحيى اليعقوبي

هو القائد الإنسان الذي استطاع أن يجمع في شخصيته كل المعالم إن كانت سياسية أو علمية أو دعوية أو اجتماعية أو حتى عسكرية، فالشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي لطالما ألهبت كلماته حماس الجماهير، وأغاظت حروفه وتعبيراته وانفعالاته الاحتلال، لقب بـ"أسد فلسطين"، إلا أنه كان يخفي خلف تلك الشخصية القوية قلباً رحيماً بمن حوله وأبناء شعبه، تتحدث عنها زوجته رشا العدلوني لصحيفة "فلسطين".

وتصادف اليوم الذكرى الـ13 لاستشهاد عبد العزيز الرنتيسي أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي اغتالته طائرات الاحتلال في السابع عشر من إبريل عام 2004م.

طفولته

ولد الرنتيسي في الثالث والعشرين من أكتوبر عام 1947 في قرية يبنا، لجأت أسرته بعد حرب 1948 إلى قطاع غزة، واستقرت في مخيم خانيونس للاجئين وكان عمره وقتها ستة شهور، درس المراحل الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، واضطر للعمل أيضاً وهو في هذا السن ليساهم في إعالة أسرته التي مرت بظروف صعبة.

وأنهى دراسته الثانوية عام 1965، وتخرّج من كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972، ونال منها لاحقاً درجة الماجستير في طب الأطفال، عمِل طبيباً مقيماً في مستشفى ناصر عام 1976م، ثم عمل في الجامعة الإسلامية بغزة منذ افتتاحها عام 1978 محاضراً يدرس في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات.

حياته الاجتماعية

تقول زوجته أم محمد: "إن الدكتور عبد العزيز حرص على علاقات طبية مع من حوله رغم جميع انشغالاته، فكان الابن البار بأمه، ينفذ أوامرها، وكذلك الأخ والأب لأخوته، يصل رحمه باستمرار رغم كل انشغالاته (...) كما كان الصاحب لأبنائه وبناته، المكرم لبناته، المربي".

أما على صعيد الأقارب والجيران فهو المحب لهم، تمتع بعلاقات طيبة مع الجيران، فكان طبيب العائلة والجيران، يأتي إليه الجيران بأي وقت ويعالجهم دون مقابل. حرص على استخدام علمه في توطيد علاقاته الاجتماعية مع من حوله".

عاش الرنتيسي بمخيمات اللاجئين في خان يونس "بجورة العقاد"، وكان يرفض لفترة طويلة أن ينتقل من المخيم لأي مكان آخر إثباتاً لتمسكه بأرضه، فتقول زوجته: "أمضينا 22 عاما بالمخيم، وسبب انتقالنا للعيش بغزة أن أبو محمد لم يستطيع تجاوز الحاجز الإسرائيلي الذي كان يفصل بين محافظات غزة".

وتتحدث أم محمد عن شخصية الشهيد، قائلة: "كان يقول كلمة الحق ولا يخاف بالله لومة لائم، كان أيضا رحيما بأبناء شعبه، حريصاً على أن يغيظ العدو على كل صعيد، في المقابل حريص على إسعاد من حوله".

لم تنتهِ من الإبحار في شخصية لطالما أرهبت الاحتلال، "شخصية الدكتور عبد العزيز التي أرعبت الاحتلال كانت مرهفة الإحساس؛ كان يبكي عندما يأتي للعيادة طفل مصاب بمرض خطير، انشغالاته لا تنسيه أهله، يحب أبناءه وأحفاده".

أما أساليب تربيته، فحرص على التعزيز أكثر من العقاب على صعيد الدراسة، ولم يفرق بين الأولاد والبنات، وفي بعض الأحيان يرجح كفة البنات في تعامله وتربيته وإكرامه لهن، يحرص على الصدق مع أبنائه وتمثيل القدوة لهم في ذلك.

وكذلك لم تغِب الفكاهة في حياة الرنتيسي، فتستحضر موقفا من تفاصيل حياتها الأسرية، فتقول: "ضربت ابنتي التي ضايقتني ذات يوم"، وحينما جاء أبو محمد للمنزل أخبرته بذلك فنادى على ابنته، وردد بيتا من الشعر ممازحا إياها .." لا تعجبوا يا إخوتي من قصتي .. وأنا الذي بالشوبك الملفوف كانت علقتي".

ولدى الشهيد الرنتيسي أربع بنات وهن ( إيناس، وسمر، وآسيا، وأسماء)، وولدان وهما ( محمد وأحمد).

التجربة السياسية

التحق الرنتيسي بجماعة الإخوان المسلمين على يد المفكر د. إبراهيم المقادمة أثناء دراسته للماجستير في مصر، وبايع الجماعة عام 1976م، ثم ترأس جماعة الإخوان في خانيونس، كان له شرف مشاركة الشيخ أحمد ياسين في تأسيس حركة حماس في ديسمبر عام1987م.

كذلك التحق في العمل المقاوم ضد الاحتلال منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الأمر الذي كلفه سنين من حياته في سجون الظلم الإسرائيلية.

وبعد استشهاد الشيخ ياسين بايعت حماس الدكتور الرنتيسي خليفة له في الداخل بتاريخ 23/03/2004، وفي أول قيادة له أمر بتنفيذ عملية ميناء أسدود، فكانت هذه العملية هي الشرارة للعملية اغتياله.

الإنسان الطبيب

ولا تفر من ذاكرة أم محمد، أن الدكتور عبد العزيز الذي عمل بمستشفى ناصر بخان يونس كان لا ينام إلا بعد أن يعطي كل مريض حقه، حتى أن الممرضين في فترة عمله المسائي كانوا يقولون أنهم رغم تعبهم لكنهم سعداء بأداء عملهم على أكمل وجه.

في أحد الأيام، ذهبت امرأة لمستشفى ناصر، وكان طفلها مصابا بـ"إسهال شديد"، حينها كان في الاستقبال الدكتور عبد العزيز الذي بمجرد أن فحصه وجد أن حالته خطرة، وعلى الفور حمل الطفل بسرعة، إلا أن الذي حصل أن الطفل تبرز على ملابس الدكتور، فتقول المرأة معجبة بتصرف الرنتيسي: "لم ينتبه لأمر البراز بل كان حريصا على انقاذ حياة الطفل".

تفتخر أم محمد بزوجها الذي حرص على علاج كل الجيران مجانا، وتستذكر أن صاعقة كهربائية أصابت إحدى نساء الجيران، فذهب أهلها لاستدعاء الرنتيسي، كان الحدث في وقت الظهيرة، وكان الدكتور قد أخذ غفوة بعد عودته من العمل، فإذا به ذهب مسرعا ببجامة نومه حاملا حقيبته الطبية، وهرول لبيت الجيران فلم يهمه المنظر بقدر إنقاذ المريضة.

ذات يوم، أتى مدير الصحة لدى الاحتلال الإسرائيلي في تلك الفترة لمستشفى ناصر، كان الرنتيسي الطبيب الوحيد الذي يستطيع النقاش معه وهم يعلمون تميزه، ولكن بسبب مواقفه السياسية، تم تحويله للعمل بمستوصف رغم أنه كان الوحيد الذي يحمل شهادة الماجستير بطب الأطفال في خان يونس بتلك الفترة.

ومن الفكاهة الممزوجة بالاستهزاء، تكمل أم محمد الحديث، أنه جاء ذات المدير لزيارة المستوصف الذي نقل إليه الرنتيسي، حينها سأله: "أعطنا أفكارًا كي نرتقي بالمستوصفات"، فأجابه الرنتيسي بنفس الاستهزاء: "بأن تضع بكل مستوصف طبيبا متخصص"، وذلك دلالة على عدم تقديرهم للشهادات.

بنبرة صوت بدا عليها الاعتزاز، أوضحت أم محمد أن الدكتور عبد العزيز كان يخرج ليلا باستمرار ليتابع المرابطين ويشد من أزرهم، لم يكن حريصا على تحصيل المال رغم أنه كان يستقبل في عيادته الخاصة نحو 30 حالة يوميا، لكنه كان كريما معطاءً، مردفة: "كان يهتم بإسعاد غيره، ويفكر بكل من حوله ويلغي ذاته بالنسبة للمتطلبات ويكتفي بالقليل".

استشهاد الرنتيسي

ما زال ذلك اليوم مميزا وهو يوم الاستشهاد، تعيد أم محمد فصوله مرة أخرى، فبعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين في 22 مارس/ أذار 2004م، كان الرنتيسي مطاردًا ولم يأتِ للبيت إلا فترات بسيطة.

"لعل الفترة المميزة قبل يوم من الاستشهاد حينما جاء إلى البيت".. قالت أم محمد، كشمس مشرقة كان وجهه في ذلك اليوم، وعلى غير باقي الأيام رغم أنه مشرق دائما، وكان سعيدا أنه استلم ادخاره من الجامعة الإسلامية التي كان يعمل بها محاضرا وسدد ما عليه من ديون، ووضع جزءًا من المال في "حملة الجهاد بالمال" في ذلك الوقت، وأعطى عائلته باقي المبلغ، وقال مخاطبا أم محمد: "هذا المبلغ لزواج ابننا أحمد "ثم ردد .."، هكذا سأخرج من الدنيا لا لي ولا علي".

المميز في ذلك اليوم أنه شارك ابنه في طلب يد العروس من والدها، وكذلك غرفة النوم التي سيشتريها نجله قبل زواجه، وفي آخر لحظاته خرج من البيت ينشد "أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى".

وما أن مرت خمس دقائق على خروجه، سمع صوت لقصف إسرائيلي، كأنه يعيش ذات اللحظة، تقول أم محمد: "كان حدس داخلي أن المستهدف أبو محمد فتحت المذياع وسمعت خبر وجوده بالعناية المركزة واستشهاد مرافقيه، أغلقت المذياع واهتزت مشاعري من الأعماق"، وبعد ذلك جاء نبأ الاستشهاد.

وقتها، تبعا لكلام أم محمد، كان الرنتيسي قد خرج مع ابنه أحمد ليوصله لمكان معين، وبمجرد أن ترجل من سيارته ليصعد سيارة أخرى استهدفته طائرات الاحتلال من نوع "أباتشي" في السابع عشر من إبريل/ نيسان في شارع الجلاء بمدينة غزة بثلاثة صواريخ، أدت إلى استشهاده واثنين من مرافقيه هما أحمد الغرة وأكرم نصار.