فلسطين أون لاين

التَّطبيع.. يخدم مَنْ؟ ولماذا الآن؟!

لم يكن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي شيئًا مفاجئًا أو أمرًا طارئًا، فالغزل الخليجي لـ"إسرائيل" يأخذ منحى تصاعديًا خلال السنوات القليلة الماضية، ولعل الخطوات التحضيرية لمثل هذا الاتفاق كانت متتالية ومتراكمة إلى حد كبير، فزيارة ميري ريغيف (وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلية) إلى الإمارات نهاية تشرين الأول من العام 2018 بدعوة رسمية، شكلت مؤشراً واضحاً للتوجهات الإماراتية في هذا الشأن، بإشراف كامل من رئيس الموساد الإسرائيلي (الذي يقدمه نتنياهو خليفة له)، وقامت ميري ريغيف أيضاً بزيارة سلطنة عمان بعد أن أعلن رئيس الموساد عودة العلاقات الإسرائيلية – العمانية إلى سابق عهدها قبل أن تقطعها سلطنة عُمان إبان الانتفاضة الثانية عام 2000، وقد عبرت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية عن رغبتها بالتعبير عن "رسالة الأخوة والسلام الممكنة بين المسلمين واليهود" وذلك في رحاب مسجد الشيخ زايد بن سلطان قبل أن تخلع حذاءها وترتدي الزي الإماراتي وتغطي شعرها وتوقع على سجل الزوار باللغة العبرية.

تبع ذلك بكل أسف دعوة (إسرائيل) للمشاركة في إكسبو دبي 2020، وتخصيص جناح مميز لها، ولولا جائحة كورونا لشهدنا بعد أقل من شهرين افتتاح المعرض، كيف سيكون الأمر؟ وخاصة أن وزارة الثقافة الإماراتية كانت تسعى لعقد مؤتمر للوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في العالم العربي على هامش المعرض، إلا أن تأجيل المعرض للعام القادم قد يغير من المشهد ليبدو أكثر قسوة.

هذه كانت مقدمة للتطبيع بين الجانب الاماراتي والجانب الاسرائيلي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا اقدمت دولة الامارات الشقيقة على هذا الشيئي؟ فهل هي بحاجة الى هذا التقارب ومن ثم الضرب بنعال أمرائها كل ما اجمع العرب عليه قبل ستين عامًا في قمة الخرطوم لا للتفاوض ولا الاعتراف ولا التطبيع؟! والسؤال الأهم: ما حاجة الإمارات لهذا التقارب؟ هل سيزيد ثروتها وغنائها؟ ولماذا الآن بالذات؟! دعونا نستعرض من المستفيد الأول من هذا الاتفاق الهزيل للإمارات والأمة العربية والاسلامية.

الإمارات دولة بعيدة نوعًا ما عن دول الطَّوق التي للأسف لم تعد دول طوق وإنما أصبحت دولًا تربطها معاهدات سلام مع الكيان الإسرائيلي، ولم تدخل الإمارات في حرب أو مواجهة مع "إسرائيل" أو يُحتل جزء من أراضيها حتى تعقد معاهدة سلام مع الاحتلال وإذا كانت الإمارات تعتقد أن بإمكانها استعادة جزرها المحتلة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وتحمي أبراجها وناطحات السحاب فيها من إيران؛ تكون كمن يجري وراء السراب، فـ(إسرائيل) تأخذ ولا تعطي وتعاونها الأمني مع الإمارات سيجر مزيداً من الويلات على أبو ظبي وحكامها وأبراجها، ما تريده (إسرائيل) من الإمارات هو أموالها وتحويل جزء منها من البنوك الأمريكية والبريطانية إلى البنوك الإسرائيلية للاستثمار في (إسرائيل) خاصة في هذه الفترة التي أثر فيها فيروس كورونا على الاقتصاد الإسرائيلي وارتفعت فيها نسبة البطالة.

الأمر واضح وضوح الشمس، إذ إن الإعلان عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي جاء في هذا الوقت بالذات خدمة للانتخابات في كل من الولايات المتحدة و(إسرائيل) وتعزيز مكانة ترامب ونتنياهو، إذ تشير الاستطلاعات الأمريكية إلى تدني حظوظ دونالد ترامب بالفوز بفترة رئاسية ثانية وتفوق جو بايدن عليه، خاصة بعد أن اختار السيناتور كاميلا هاريس سمراء البشرة نائب له لتخوض الانتخابات إلى جانبه، إضافة إلى أزمة كورونا التي يتحمل دونالد ترامب المسؤولية عن تفشي المرض في الولايات المتحدة لتأخره في التعامل مع الأزمة واستهتاره بحياة ملايين الأمريكيين، وإلى جانب أزمة كورونا ثمَّ أزمة اقتصادية غير مسبوقة في الولايات المتحدة، وكان ترامب يراهن على الاقتصاد الأمريكي كرافعة لإعادة انتخابه لولاية ثانية، خاصة بعد أن سطا على أموال العربية السعودية والإمارات وقطر وسرق مئات مليارات الدولارات من أموال شعوب هذه الدول التي كادت أن تمر بحالة إفلاس مالي بعد انهيار أسعار النفط إلى الصفر. وفوق الأزمتين الصحية والاقتصادية، ثمة أزمة الاضطرابات العرقية التي تجتاح الولايات المتحدة والمظاهرات المنددة بالسياسة العنصرية التي ينتهجها ترامب بعد مقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد، ولكل هذه الاعتبارات اضطر ترامب أن يعلن عن اتفاق الإمارات و"إسرائيل" قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني القادم، واعتبره إنجازا لسياسته الخارجية، ولعله يحظى بدعم اللوبيات اليهودية في الانتخابات التي لم تظهر ارتياحها لصفقة القرن وسياسة الضم التي تبناها ترامب، لأن من شأن هذه السياسة إدامة الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي لعقود قادمة طالما لم تلب الحقوق الفلسطينية.

ولعل أهم هدف حققه ترامب من بهذا الاتفاق انه سوف يعزز الميزانية الامريكية بأموال العرب وتحسين الظروف المعيشية وتدني معدلات البطالة.. إلخ، لأن الناخب الأمريكي لا يهتم بالشؤون الخارجية عندما يدلي بصوته وأن ما يهمه هو الوضع الاقتصادي الأمريكي وما يدخل إلى جيبه من دولارات، وهل تتوفر له الوظيفة والرعاية الصحية وتخفض عنه الضرائب؟

أما بالنسبة للرابح الأكبر من هذا الاتفاق مع الإمارات هو نتنياهو، وجاءه على طبق من ذهب، إذ إن القضاء يلاحقه بالفساد وسوء الائتمان والرشوة، وأزمة كورونا ضربت الاقتصاد الإسرائيلي ورفعت نسبة البطالة في (إسرائيل) وفقد ملايين الإسرائيليين مصادر رزقهم، ويقف نتنياهو على رأس حكومة ائتلافية هشة تقيد تحركاته ولم يجد غير اتفاقه مع الإمارات ليقدمه كإنجاز هام في مواجهة خصومه ويفاخر بسياسة القوة التي تفرض السلام ورفض مبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين، ولا يبالي إن امتد الصراع مع الفلسطينيين لأجيال قادمة، والمهم عنده أن يبقى في رئاسة الحكومة كي لا يدخل السجن ويتجاهل المظاهرات التي تحيط بمقر إقامته وزوجته سارة وابنه العاطل عن العمل.

وإذا كانت هذه اعتبارات ترامب ونتنياهو للإعلان عن الاتفاق مع الإمارات؛ فما هي اعتبارات محمد بن زايد القابع في مكان قصي عن (إسرائيل) سوى أن الاتفاق بمثابة خيانة وطعنه في الظهر العربي وبالذات طعنة في خاصرة فلسطين، والسؤال الدائر رحاه هناك تكهنات حول من ستكون الدولة الخائنة التالية للإمارات في إقامة العلاقات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية والتجارية مع (إسرائيل) واستقر رأي المتابعين على أن مملكة البحرين ستكون التالية ثم سلطنة عمان وسودان عبد الفتاح البرهان، وأحجم نتنياهو عن ذكر أسماء الدول التي ستحذو حذو الامارات واكتفى بالقول إنها دول عربية عدة لا داعي لذكرها الآن.