ربما لم يكن غريبًا تطبيع الإمارات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ كونهما تربطهما علاقات "سرية" إلى حد ما، في مختلف الجوانب السياسية والثقافية وغيرها، لكنّ أبوظبي أرادت المجاهرة هذه المرة بإعلان "اتفاق تطبيع" رسمي تحت مبررات واهية للحفاظ على الأمن في منطقة الشرق الأوسط.
ومما لا شك فيه أن هذا الإعلان الذي وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"اتفاقية سلام تاريخية"، سيشكل خطرًا محدقًا على القضية الفلسطينية، من حيث تصفيتها والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وصولًا لمنح الاحتلال غطاءً لجرائمه، حسبما يرى محللون.
وكان ترامب قد أعلن مساء أول من أمس، "الاتفاق" بين دولة الاحتلال والإمارات والذي يتضمن تطبيع علاقاتهما بشكل كامل، وهو ما عدّه في تغريدة له على حسابه في "تويتر" بأنه "اختراق ضخم".
ونص الاتفاق بحسب البيان الذي نشره البيت الأبيض، على أن هذا الاختراق التاريخي "سيعمل على تعزيز (السلام) في منطقة الشرق الأوسط وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة ورؤية القادة الثلاثة وشجاعة الإمارات و(إسرائيل) لرسم مسار جديد من شأنه إطلاق الإمكانات العظيمة في المنطقة"، وفق تعبيره.
تجاوز للقضية
الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، رأى أن الاتفاق "تجاوز للفلسطيني والقيادة والقضية الفلسطينية، ورفع الفيتو الذي كان يقول إنه لا يمكن إتمام أي صفقات بين النظام العربي الرسمي و(إسرائيل) إلا من خلال حل القضية الفلسطينية".
واعتبر سويرجو خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن الخطوة الإماراتية ضربة قوية لنضالات الشعب الفلسطيني لسنوات طويلة، وإدارة ظهر ما سُمي بالمبادرة العربية التي وضعت أسس حل القضية الفلسطينية قبل الذهاب لأي تطبيع أو سلام اقتصادي مع الاحتلال.
وبيّن أن هذه الخطوة لم تكن عبثية بل جاءت في سياق مُخطط له منذ سنوات وتُوّج بإعلان ما "صفقة ترامب-نتنياهو" المعروفة إعلاميًا بـ"صفقة القرن" وإعلان القدس عاصمة مزعومة للاحتلال، من خلال وضع البصمات والموافقة العربية عليها.
وقال إن التطبيع والعلاقات الكاملة مع دولة الاحتلال بعد هذه المتغيرات تعني بأن العرب أصبحوا يديرون الظهر للقدس التي يمكن أن تمنع أي عربي أو مسلم للذهاب نحو التطبيع.
وأضاف سويرجو أن الاتفاق طعنة قوية للمشروع الوطني الفلسطيني، وسيقطع الطريق على حق العودة، الذي كان يحتاج لضغط عربي ودولي قويين.
وشدد على ضرورة أن تخطو القيادة الفلسطينية نحو تجاوز الأزمة وعدم السماح باستمرار هذه الهرولة من خلال برنامج وطني موحد يُنهي حالة الانقسام، ويضع استراتيجية موحدة قادرة على استعمال كل أشكال النضال ضد الاحتلال، وردع أي دولة تفكر في التمادي بالعلاقة معه.
وهذا ما ذهب إليه، أستاذ العلوم السياسية والإعلام بجامعات الضفة الغربية المحتلة د. كمال علاونة، حيث أكد أن خطوة الإمارات ستجر بعدها دولًا عربية، ما سيلحق الضرر بالقضية والشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال.
وعدّ علاونة خلال حديثه مع "فلسطين"، أن الخطوة الإماراتية تندرج ضمن "صفقة ترامب-نتنياهو" الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، عدا عن أنها ضربة لمبادرة التسوية العربية.
وقال إن الإمارات اختارت أن تمثل النفاق للولايات المتحدة والاحتلال على حساب القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن السبب الرئيس للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي هو الخوف مما يُسمى الخطر الإيراني في المنطقة.
واعتبر أن الإمارات تخون الشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه وتمنح الاحتلال غطاءً لجرائمه، لافتا إلى أن هذه المرحلة الانتقالية لن تدوم طويلا، ولن تستفيد منها الإمارات، وإنما سيستفيد الاحتلال على الصعيدين الاقتصادي والعسكري.
أكذوبة كبيرة
بالعودة لسويرجو، علّق على ادّعاء الإمارات بوجود مصالح فلسطينية من اتفاق التطبيع، بأن ذلك "أكذوبة كبيرة وذريعة مضحكة أن تدّعي الإمارات التي لا تمتلك أي شكل من أشكال الضغط على الاحتلال بأنها ذاهبة للتطبيع مقابل ما يُرضي الفلسطينيين".
وعدّ الحديث عن المقايضة بين وقف "الضم" والتطبيع بأنها "نكتة مسخة لا يُمكن أن يقبلها أي فلسطيني وعربي"، مشيرا إلى أن الدافع الرئيس لخطوة الإمارات هو اقتصادي وأمني.
وتابع أن "الولايات المتحدة وضعت شرطا لمن يريد الحصول على الحماية الأمريكية، وهو أن يمر بـ(تل أبيب)، بالتالي ذهبت الإمارات نحو الشقين الأمني والاقتصادي إلى جانب مشروع إعادة تركيب الشرق الأوسط على أساس ضمان المصالح الأمريكية الإسرائيلية لمائة عام قادمة"، وفق تقديره.