غزة تتحدى، هي لا تخاف، ولا تتردد، فمن يسكن شاطئ البحر يتعلم فن العوم، ويعرف كيف يصطاد السمك، ومتى؟ وغزة أدركت سبيلها في بحر السياسة، وعرفت أن المقاومة طريقها، وأن لديها الجاهزية للعطاء وقطف الثمار في أي مواجهة قادمة مع العدو الإسرائيلي.
لقد أسقطت غزة القداسة عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فصارت ملعبًا لصواريخ غزة التجريبية، وقبل ذلك أسقطت غزة القداسة عن الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، وقهرته في ثلاث حروب وعشرات المناوشات، وأثبتت غزة أن الانتصار في المعركة ليس مرتبطًا بنوعية السلاح وقدرته، وإنما يتعلق بنوعية الإنسان الذي يحمل السلاح، وقدرته على مواجهة المحن، الإنسان المعبأ والواثق هو قوة غزة، وهو مصدر الرعب الحقيقي لأعداء فلسطين.
في هذه الأيام المصيرية لبست غزة درع الحرب، وأشهرت سيف المقاومة، وبدأت الخطوة الأولى بإطلاق البالونات الحارقة ولسان حال أهلها يقول: جاهزون لكل احتمال، ولن نعود إلى ما كنا عليه، وسنفاجئكم من حيث لا تحتسبون، وإذا كانت معادلة التهدئة تقوم على إدخال المساعدات القطرية مقابل الهدوء، فإن منطق غزة قد اختلف الآن، فلا هدوء مقابل المساعدات فقط، الهدوء مقابل إنهاء الاحتلال، ووقف العدوان، ورفع الحصار، وعدم وضع العراقيل في طريق تطور غزة وازدهارها.
غزة تتحدى أعداءها، وقد فرضت على رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين بأن يتواصل مع قطر كما ذكرت الصحافة العبرية بهدف تسهيل عبور الأموال إلى أهالي غزة، وفي هذا التحرك الإسرائيلي الرسمي رسالة إلى الشعب الفلسطيني والعربي بأن العدو الإسرائيلي لا يفهم إلا لغة القوة، وأن التوسل والرجاء والبكاء لن يشق صدر قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن قلب رحيم، بل العكس، المقاومة هي التي تفرض على قادة الكيان أن يغيروا سياستهم.
فيروس البالونات الحارقة كما يسميه الإعلام الإسرائيلي سينتشر، ويتمدد، ولناره احتمالان:
الأول: أن يتصاعد الحريق إلى حد المواجهة، ووصول الصواريخ إلى قلب المدن الإسرائيلية.
الثاني: أن ينجح قادة الكيان في محاصرة فيروس البالونات، ويستجيبوا لشروط غزة في التهدئة، والتي تختلف هذه المرة عن سابقتها.
ملحوظة: كنت مريضًا في مستشفى سجن الرملة حين جاءني ضابط أمن السجن متوسلًا إلي بعض السجائر والسكر والشاي لسجين فلسطيني اسمه "مقدام" كان معزولًا في الزنازين!
سألت ضابط الأمن: لماذا أنت مهتم براحة السجين "مقدام" وقد عزلته في الزنازين؟
قال: لقد أصابني الجنون من صرخاته، لقد جنن الزنازين، وعمم الفوضى، وسوّد عيشة الحراس، ونقل حالته العصبية إلى كل نزلاء الزنازين، لقد صار الوضع صعبًا، وليس لدي عقاب أقسى من الزنازين، ولكنها لم تردع مقدامًا، أعطني من مخصصاتكم بعض السجائر والسكر والشاي أقدمها للسجين "مقدام" لعله يهدأ، ويسمح للحراس بالنوم هذه الليلة.