اعتاد الشاب صلاح الملاحي، الوقوف في إحدى زوايا حدائق الجندي المجهول بحي الرمال، وسط مدينة غزة، وإعداد المشروبات الساخنة وبيعها للزبائن، لكن سرعان ما يغادر الملاحي بعربته الصغيرة هذا المكان إلى الاعتصامات والمهرجانات بحثًا عن عدد أكبر من الزبائن يدر عليه المزيد من الشواكل مقابل كل مشروب يبيعه.
يقول الملاحي البالغ من العمر (27 عامًا) لفلسطين: أتواجد يوميًا في الجندي المجهول، وأذهب للتجمعات الكبيرة لكثرة عدد المشاركين فيها، وهناك أبيع المزيد من المشروبات.
ويضيف: "منذ سنوات؛ لم أضيِّعْ أي مهرجان أو احتفالية جرت في عدة مناسبات".
الملاحي، يقطن في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، ويعيل أسرة مكونة من 8 أفراد، 4 منهم أبناءً له؛ يبلغ أصغرهم من العمر قرابة العام الواحد، وأكبرهم 6 أعوام.
بدا مرهقًا وهو يلبي طلبات الزبائن ويُعِدُّ أكثرَ من مشروب في آن واحد، لكنه لا يستطيع التقصير بأحدهم، فأي لحظة تأخير قد تذهب بالزبون إلى بائع آخر، فهم يصطفون بكثرة في الشوارع هذه الأيام.
فقر وبطالة
وأجبر تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة، الكثير على اللجوء للبيع على قارعات الطرق لإعالة آلاف الأسر في غزة، ففي حي الرمال وحده، يوجد عشرات الباعة المتجولين، ويتخذون من الأماكن المزدحمة مكانًا مفضلاً للترويج لسلع مختلفة للصغار والكبار من كلا الجنسين، سعيًا لتحصيل المال.
أما التجمعات، فقد باتت ملجأ لهؤلاء المتجولين، ودائمًا ما تجدهم بكثرة على أطرافها، مشغولين ببيع سلع مختلفة بين المواطنين.
لكن الملاحي يقول: ما أحصله يوميًا يتراوح بين 20- 25 شيكلاً؛ هذا المبلغ يكاد يكفي لأوفر الحليب لأصغر أبنائي.
ويبدأ هذا الشاب، عمله الساعة السادسة صباحًا، ويسير بعربته من منطقة عسقولة في حي الزيتون، إلى أن يستقر بحي الرمال، وامتهن الملاحي بيع المشروبات الساخنة قبل 13 سنة.. كان من خِلال حاوية صغيرة يحمل بداخلها ما يلزم لإعدادها.
يتابع: لو عاد بي الزمن، لما اشتغلت في هذه المهنة. فهي لا تكفي لتوفير قوت اليوم الواحد.
ولم يحظَ هذا الشاب بفرصة لدخول مدرسة، بسبب تردي الأوضاع المادية لعائلته؛ كما يقول: لكن لو عرفت أن حالي سيصبح هكذا، لتمردت على هذا الواقع وصنعت مستقبلاً جديدًا.
على مقربة، كان الفتى بدر (17 عامًا)، يرمق ابن عمه صلاح بنظره دلَّت على ألم كبير يعتمل صدره، فهو أيضًا لم يكمل دراسته بسبب ظروف صعبة ألمت بعائلته مؤخرًا، اضطرته لترك المدرسة والعمل في مهن شاقة (طوبار، قصارة) لتوفير المال.
وقال: "الدنيا ماشية معنا بالعكس، ما بعرف ليش" لكننا نعتمد على أنفسنا لتوفير قوتنا.
أعطى صلاح لبدر كوبًا من الشاي وعاد إلى عربته التي وقف عندها زبونان أرادا شرب "نيس كافيه"، قبل أن يقول الفتى "تسلم ايدك يا ابن عم".