لم يكن بوسع الطفل عمرو، ذو العشر سنوات، إلا أن يقف أمام جنود الاحتلال الإسرائيلي والكلاب البوليسية الأمنية، والذين داهموا منزل والده محمود نواجعة، ليلة عيد الأضحى المبارك، في الـ30 من يوليو/تموز، صارخًا في وجوههم في أثناء تمسكه بملابس والده: "اتركوا أبوي. الكلاب ما بتخوّفني. اطلعوا من بيتنا".
تلك الكلمات التي صرخ بها الطفل وشقيقاه، تزامنًا مع تكبيرات الحجيج على جبل عرفات، والفلسطينيين في مساجد الضفة الغربية، لم تحرك ساكنًا لدى عشرات الجنود المدججين بالسلاح، مستمرين في عملية اقتحام البيت واعتقال نواجعة (34 عامًا) المنسّق العام للجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة الاحتلال.
واعتقلت قوات الاحتلال نواجعة من منزله في بلدة أبو قش، بالقرب من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، واقتادته مكبّلًا ومعصوب العينين بعيدًا عن زوجته وأطفاله الثلاثة، حارمة إياه من حضور باقي التفاصيل التي صنعها له أبناؤه ليلة العيد.
حملات إسرائيلية
المنسقة الإعلامية لحركة المقاطعة (BDS) ريتا أبو غوش، أكدت أن اعتقال قوات الاحتلال للمنسق العام جاء في ظل حملات صعّدت خلالها تلك القوات من هجماتها على حركة المقاطعة ونشطائها السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وقالت أبو غوش لـصحيفة "فلسطين": "هذا الاعتقال جاء في ظل التفاعل الدولي وأحزاب سياسية عربية ودولية ومجموعات طلابية ونقابات مهنية مع حركة المقاطعة"، مشيرة إلى أن الاحتلال يشن حملة تضييق على المدافعين والمتضامنين مع الحملة.
وأضافت: "العدو الإسرائيلي يستهدف كل من يقاومه شعبيًّا سواء من حركة المقاطعة أو غيرها ومن يقاوم بأساليب المقاومة الأخرى، والفلسطيني مستهدف ما دام يقاوم الاحتلال".
وذكرت الناشطة في حركة (BDS)، أن محامي الدفاع الخاص بالناشط نواجعة، لم يتمكن من مقابلة موكله، مشيرة إلى أن الاحتلال صادر كل المقتنيات الخاصة به في أثناء اعتقاله.
ووثقت كاميرات ذوي المعتقل اللحظات الأولى لاعتقال الاحتلال منسق حركة مقاطعة (إسرائيل) من منزله، حيث يظهر خلالها اثنان من جنود الاحتلال يقتادانه مكبل اليدين ومغمض العينين، في حين يظهر أمامه كلاب بوليسية، وصفان متوازيان من عشرات جنود الاحتلال.
تمديد الاعتقال
وأوضحت أبو غوش، أن محكمة سالم العسكرية الإسرائيلية مددت اعتقال نواجعة 15 يومًا على ذمة التحقيق، بناءً على طلب مخابرات الاحتلال استنادًا لما يسمونه "التحقيق في ملف سري، وانضمامه لتنظيم "غير قانوني".
وقالت: "شبهات التهم التي وجهها الاحتلال تخالف ما يقوم فيه بأن نشاطه يقتصر على النشاط المتعلق بالمقاطعة والمقاومة الشعبية ولا ينتمي لأي حزب".
والأحد الماضي، قبلت محكمة الاستئناف العسكرية، استئناف محامي مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، الموكَّل للدفاع عن نواجعة، بتخفيض مدة الاعتقال إلى 8 أيام عوضًا عن 15 يومًا.
وأقر القاضي العسكري بضرورة وجود رقابة من قبل المحكمة العسكرية على فترة التحقيق في ظل قبولها منع نواجعة من مقابلة محاميه.
وذكرت أبو غوش، ان اعتقال الاحتلال لنواجعة عشية عيد الأضحى المبارك، جاءت للتنغيص على حياته وذويه، ومحاولة وقف حراكه المناهض للاحتلال ومنتجاته ورفض التطبيع معه.
إدانة حقوقية
من جهته، أدان مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية اعتقال "نواجعة" ونقله إلى مركز تحقيق "الجلمة" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، خلافًا للقانون الدولي الإنساني.
وطالب المجلس في بيان له، المجتمع الدولي بضرورة التدخل الفعال من أجل الإفراج الفوري عنه، وضمان مساءلة سلطات الاحتلال على جرائمها المقترفة بحق المواطنين الفلسطينيين.
وذكَّر في قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 11/06/2020م، والذي عد أن الإدانة الجنائية للنشطاء المشاركين في حركة مقاطعة (إسرائيل) وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، تنتهك حقهم في حرية الرأي والتعبير المحمية بموجب المادة (10) من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان.
وطالب المجلس، المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية من شأنها مساءلة ومحاسبة دولة الاحتلال على الجرائم المقترفة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبخاصة الانتهاكات الممنهجة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، والعمل على ضمان الإفراج الفوري عن الناشط نواجعة.
وقال: "الناشط نواجعة يتمتع بالحماية على خلفية نشاطه في حركة (BDS) ومناهضته لسياسات التمييز العنصري التي تقترفها دولة الاستعمار الإسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين، وذلك وفقًا للإعلان الدولي بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1998م".
أما تجمع محامون من أجل العدالة، فقد ندد باعتقال الناشط والمدافع عن حقوق الإنسان؛ والناشط ضد التطبيع نواجعة، معتبرة اعتقاله استمرارًا لسياسة الاحتلال في إقصاء صوت الحق والعدالة، وتطبيع وشرعنة الاحتلال.