إنَّ استمرار ارتفاع فاتورة الدين العام الفلسطيني، يرجع لغياب الأسس السليمة في التعامل مع نمو النفقات، والتوسع المؤسساتي للسلطة الفلسطينية، وذلك دون أخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية وحجم الموارد المتاحة، هذا ما يؤكده اختصاصيون اقتصاديون، وإن أشاروا إلى تأثير جائحة "كورونا" على هذا الارتفاع.
وأوصى الاختصاصيون الاقتصاديون بضرورة اتخاذ وزارة المالية برام الله مزيداً من الشفافية والمساءلة في إدارة الدين العام، والتشدد في موضوع مكافحة الاختلاسات الحكومية والبث بالقضايا بالسرعة الممكنة لإعادة الأموال المختلسة إلى الموازنة العامة.
كما يرون أن الدين العام خطورته تكمن في تهديده لمستوى المعيشة والخدمات الضرورية للجيل الحاضر والقادم، وبالتالي لابد من إعادة النظر في الإنفاق عبر اتخاذ خطوات ملموسة واستشارة أهل الاختصاص والبحث عن قنوات تمويلية خارجية جديدة.
وقالت وزارة المالية برام الله: إن الدين العام المستحق على الحكومة سجل خلال مايو الماضي قرابة (10.34) مليارات شيقل مقارنة بذات الفترة قبل عام، أي بنسبة (10%).
وأوضحت بيانات المالية أن اجمالي الدين المحلي بلغ حوالي قرابة (5.8) مليارات شيقل بارتفاع نسبته (2.5 %)، فيما بلغ الدين الخارجي قرابة 4.53 مليارات شيقل بارتفاع نسبته 21%.
وأشارت الوزارة إلى أن الارتفاع في الدين العام يأتي مع تضرر القطاعات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا، إضافة إلى أزمة المقاصة.
وبين الاختصاصي الاقتصادي د.بكر اشتية أنَّ الدين العام الذين تتحدث عنه وزارة المالية أكثر من الرقم المذكور آنفا.
وقال اشتية لصحيفة "فلسطين": "إن الحكومة في رام الله تقيد الدين الذي عليه فوائد فقط، لكن لو أضيف إليه متأخرات القطاعات الخاص، فسيتجاوز الدين العام سقف 25 مليار شيقل".
وأشار إلى أن تجاوز الدين العام نسبة 40% من اجمالي الناتج المحلي، يعد تجاوزاً للخطوط الحمراء.
وتستدين في العادة السلطة من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وحكومات عربية وغربية، وتقيد تلك الديون تحت مسمى ديون خارجية كما يقول اشتيه.
كما اعتبر الاختصاصي أن استدانة السلطة من المصارف المحلية تحت مسمى ديون داخلية، يعد مزاحمة لنشاط القطاع الخاص، حيث إنّ البنوك تفضل منح الحكومة قروضاً من غيرها لأن درجة المخاطرة في تحصيل ديون المصارف من الحكومة أقل من القطاع الخاص.
وأوضح اشتية أن السلطة حينما تتعثر في تسديد ديونها، لا تجد المصارف الدائنة مشكلة في إعادة جدولة تلك الديون وما يعقبها من فائدة، في حين أن ذلك الفعل يواجه جدالاً بين القطاع الخاص والبنوك.
وأشار إلى أن السلطة حين تتجه إلى الاستدانة من الداخل تذهب للمصارف التي رأس مالها كبير، حتى لا تتسب في خلل في النظام المصرفي.
وأكد أن الاقتراض المالي عبء على الأجيال القادمة، حيث إن السداد من خلال الضرائب التي يدفعها المواطن، مشيراً إلى أن ( 85% ) من الموارد المالية للسلطة تأتي من الضرائب سواء المحلية أو المقاصة فيما أن ( 15%) هي أموال المانحين.
ولتخفيض مستوى الدين العام، يقول اشتية: إنه يتطلب من السلطة تنفيذ برامج تقشف ملموسة، واستخدام الدبلوماسية في الاستعطاف الدولي لمساعدتها مالياً، مشيراً إلى أن السلطة تكتفي بموارد بعض الدول العربية والدولية الصديقة دون البحث عن مصادر جديدة أو اعادة حث الممولين السابقين لاستئناف مساعدتهم كما في السابق.
من جهته قال الاختصاصي الاقتصادي خالد أبو عامر: إن السلطة تعيش منذ العام ٢٠١٤ في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، نتيجة توقف المفاوضات بينها وبين الاحتلال، وبدء مرحلة تقليص الدول المانحة لمساعداتها السنوية للسلطة.
وأضاف أبو عامر لصحيفة "فلسطين": إنه منذ ذلك عام، بدأت السلطة تفقد السيطرة على ميزان الصرف والإيرادات، إذ يضاف لأزمة تراجع الدعم الخارجي إقدام الاحتلال بشكل شبه سنوي باقتطاعات مالية من إيرادات المقاصة التي تشكل النسبة العظمى من الايرادات المالية للسلطة".
وبين أن الموازنة العامة الحكومية تعاني من العجز في حال تفوق النفقات السنوية عن الايرادات السنوية، حيث تتشكل النفقات أساساً من المصاريف التشغيلية بما فيها الرواتب والأجور العامة، كذلك النفقات التطويرية مثل مشاريع البنية التحتية والتنمية الاقتصادية.
في حين تتشكَّل إيرادات أساساً من الضرائب والجمارك والرسوم المحلية، وكذلك الهبات والمساعدات الأجنبية سواء كانت دعمًا مباشرًا للموازنة العامة أو من خلال مشاريع تطويرية، مشيراً إلى أنَّ الحكومة تلجأ عادة إلى الاقتراض من أجل تعويض هذا العجز في الموازنة.
وبين أن طريقة تخفيض الدين تتمثل في تخفيض النفقات وتعظيم مصادر الايرادات، وتوجيه الإنفاق إلى قطاعات إنتاجية تستفيد السلطة منها ماليا من خلال فرض الضرائب على الأرباح.