فلسطين أون لاين

يحتضنَّ صور أطفالهنّ وأهاليهنّ

تقرير طقوس العيد بسجون الاحتلال.. الأسيرات ينتزعن  فسحة فرح

...
wEGCY.jpeg
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بعيدات عن كلِّ هذا العالم المصاب بالفرح، تفترش كلماتهنَّ تعرجات الألم وهنّ يتجمعن بحلقة دائرية يرتدين الثوب الفلسطيني يواسين بعضهن، ينشدن للعيد لحنًا يجسد حالهن: "يما يا يما آآخ يا يما قالوا اجا العيد قلت العيد لصحابوا".. يبتسمن حتى يغافلهن البكاء "شو بينفع العيد للي مفارق حبابه".

بصوتهنَّ يردِّدن من خلف قضبان الاحتلال، تلك الكلمات التي تعبِّر عن شوقهن وما تحمله من رسائل: "العيد يا يما لما بلادنا بتعود وأرجع على أرض الوطن وأبوس ترابه".

عجيبة تلك اللحظات التي تسيل فيها الدموع أثناء ارتدائهن ثوب الفرح، حين تتقاطع الدموع مع كلمات الفقد ووجع الغياب القسري، فلا يمكن أن يغلب الدموع شيء، يواسين وحدتهنّ بذاك اللحن: "يا يما لو جاني العيد وما في عيد يفرحني .. أي وآني عن دياري بعيد يما يما وبعد حبابي جارحني".

دموع الفرح

ما أن تطلع الشمس التي لا يرونها، أو يصلهم بعض من شعاعها نجح في تجاوز فتحات أسقف ساحات السجون، المكان الوحيد الذي يمكنهن من ملامسة بعض الأشعة لوقت محدد أثناء فترة ما تعرف بـ"الفورة"، تفرش الأسيرات السجاد ويجلسن عليه يوم العيد، ويبدأن بالتكبير إلى أن يدخل وقت صلاة العيد.

بيان فرعون تحررت بعد ثلاث سنوات، زج الاحتلال بها في سجونه، تعود "خلف القضبان" مرة أخرى لكن هذه المرة من بوابة الذكريات متحدثة عن طقوس الأسيرات في العيد: "تقريبًا أمضيت سبعة أعياد، ظروف الأسر طعمها مختلف، فالغربة عن الأهل صعبة فيها طعم للمرارة، لكننا كنا مع بعض الأسيرات نحاول التهوين من ذلك".

في كلِّ شيء هناك الطقوس مختلفة، تقف أمام رفيقاتها في الأسر وتلقي خطبة العيد، تكون هذه الخطبة مكتوبة وقد عرضت على إدارة سجون الاحتلال ووافقت على مضمونها، بيان تتحدث مع صحيفة "فلسطين"، أكثر عن تلك المراسم: "بعد الخطبة نمنع من الأكل في ساحة السجن، فنذهب إلى غرفة كبيرة، نحضر القهوة والمعمول".

تضحك بسخرية: "طبعًا معمول السجن اسمه معمول لكن طعمه مختلف .. لكن كان يفرحنا".

لأن الإمكانات محدودة، والاحتلال يمنع نحو 160 صنفًا من المواد الغذائية الدخول للسجن، فإن الأسرى يعتمدون على إمكانياتهم المحدودة "في قهر السجان وصنع الفرح، يرتدون أجمل الثياب الجديدة وينشدون، ويبقون يكبرون في الغرفة.

"كل عام وأنتم بخير يا أهل الضفة الغربية .. مهما الغربة تطول بكرا تهل الحرية"  أنشودة العيد في السجن تستذكرها بحسرة وألم، في صوتها شجون إلى تلك الأيام: "كنا نرددها مرة ومرتين وثلاثة، كذلك أنشودة "يما لو جاني العيد" كانت مبكية لمعظم الأسيرات ونحن نردد كلماتها بحلقة دائرية".

تلك الذكريات تدغدغ مشاعرها: "كُنّا نكبر ونتحدّى السّجان، ونجهز الفطور الجماعي، وننظم بعض الفعاليات التي تخلق روحًا جميلة، نحاول التخفيف عن بعضنا قدر الإمكان".

لأنَّ الشوق للأهل "قاتل"، فإن الأسيرات يحاولن إطفاء لهيبه، وهن في تلك الحلقة الدائرية تبدأ كل واحدة منهن بذكر كيف كانت تقضي العيد مع عائلتها، تعلق بيان: "أحيانا البكاء يختصر كلامًا كثيرًا، خاصة أن من بين الأسيرات أمهات أمضينا 12 عاما ولديهن أطفال (...) هذا ما يجعلنا نبكي، وبعضهن يحدثنك كيف كانت تشتري الملابس لأطفالها، وحال أطفالها بعد أسرها".

تهيأت دموعها حينما تذكرت هذا المشهد: "جاءت أسيرة قبل العيد، وكانت قد اشترت ملابس  لأولادها، حدثتنا كيف كانت مخططاتها للخروج مع الأطفال قبل أن تصل إليها يد الاحتلال، تستذكر كلمات أطفالها وهم يشدون ملابسها لحظة اعتقال الاحتلال لأمها: "كيف بدنا نعيد بدونك".

"هذا الشيء كان يبكينا حتى أننا نكون في حالة فرح وفجأة تقلب إلى بكاء إذا تذكر أحد موقفا" .. هذا بعضا مما يحدث هناك.

تأتي الفورة المسائية الثانية، تحضر الأسيرات مراسم فرح أخرى في العيد، تتوقف هنا: "ننظم فقرات وفعاليات إنشاد، ونعد غداء جماعيا، ورغم كلِّ ما في العيد من غصة إلا أننا نخفف ذلك في الاناشيد، فلدينا أسيرات يبدعن في تأليف الأناشيد وغنائها ونفرح، إلا حينما نتذكر عائلاتنا فيكون الأمر مريرا".

سمك السلمون، هو الطعام المفضل لدى الأسيرات في العيد، فالاحتلال لا يسمح للحوم بدخول السجون إلا يوما واحدا في الأسبوع وكذلك الدجاج، "الدجاج يأتينا غير نظيف وغير مطهي، فنعيد طهوه وتنظيفه، أما سمك السلمون فكان معظم الأسيرات يحبنه، ولأنه غالي الثمن كنا نخصصه للمناسبات كالأعياد".

أما المعمول، فله وحده قصة أخرى، تنقل بيان حديثها عنه، بعد تنهيدة جمعت معها تلك الأيام: "المعمول، من مكوناته الأساسية السميد، وكنا نخزنه حتى نستطيع عمل مكونات تكفي لنحو 34 أسيرة، لكن كنا نتغلب على النقص فيه بعجنه مع الشاي المعطر كي يعطي طعما".

ورثت الأسيرات الجدد قوالب المعمول من سابقاتهن، ابتسامة بيان هنا كانت ممزوجة بالحسرة: "أتدري؛ في كل السجون كان هناك قالب معمول واحد أو ثلاثة قوالب، وكذلك الإبرة إن ضاعت، فيصبح هناك مشكلة حقيقيَّة لأن الاحتلال يمنع دخولها".

تعيش بيان الآن فرحة أخرى بحضور طقوس العيد مع أهلها بعد غياب طويل، يبتسم صوتها فرحًا: "شعور مختلف، من ثلاث سنوات افتقدت عيد الأضحى المبارك"، لكن نحو 43 فلسطينية لا يزلن أسيرات في سجون الاحتلال؛ وفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين.

شعور الفقد

"طقوس العيد في السجن تتوزع ما بين حالتين، الأولى تتمثل في شعور الفقد العظيم الذي يتملك الأسيرات.. حيث يلجأن خلال العيد لاحتضان ما لديهن من صور لأهاليهن خصوصًا الأبناء إن كانت الأسيرة أمّاً؛ فالفقد لديهن يتعاظم".. تحررت الأسيرة سوزان العويوي من قضبان الاحتلال وبقيت تلك المشاعر والمشاهد لا تفارقها حتى في نومها، ولا حديثها.

أما الحالة الثانية –تضيف سوزان لصحيفة "فلسطين"- فهي محاولة الأسيرات لصنع جوٍّ من الفرحة لكسر تلك الأجواء القاسية، فيبدعن بابتكار أصناف الحلوى من مكونات متواضعة ومحاولة إشاعة جو الفرح".

"كان السجانون يمنعون اجتماع الأسيرات وحتى ارتفاع صوت الضحكات ممنوع ويبدؤون بالصراخ على الأسيرات في حال عَلا صوت ضحكهن أو صوت النشيد".. تنقلنا سوزان لتلك الأجواء.

صباح العيد "هو الجزء الأقسى" -كما تصفه- بالنسبة للأسيرة، وعلى مستواها الشخصي قَدِم عيد الفطر وهي في التحقيق، لا تنسى تلك الليلة: "كانت ليلة جمعة، واستغرق الأمر مني أكثر من ساعتين لجدال السجانين حتى يؤكدوا أن اليوم التالي هو يوم العيد أو المتمم لشهر رمضان خاصة أنّه لا يتواجد المحققون عادة يومي الخميس والجمعة والسبت.. وكان صباح العيد هو أقسى أيام العمر".

 

 

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين