مشادة كلامية بين عدد من المواطنين وقوة أمنية في مخيم بلاطة، أدت إلى قيام أحد عناصر المجموعة الأمنية بفتح النار على المواطنين مما أدى إلى مقتل أمين سر حركة فتح عماد دويكات وإصابة عدد من المواطنين الآخرين.
تصرف عناصر المجموعة الأمنية يدلل على مدى الإشكال الذي شكل عقيدة رجل الأمن في الضفة الغربية منذ العام 2007، حينما أشرف الجنرال الأمريكي دايتون على إعادة بناء هذه الأجهزة على أسس جديدة (كقوات أمن تعمل من أجل السلام) تحت شعار "إصلاح الأجهزة الأمنية".
ويبدو أن الجنرال دايتون قد أبلى بلاء حسنًا في إعداد هذه القوات، إذ صنعها على عينيه لتتصرف بعد ذلك وفقا لتكوين عقائدي لا تخطئ العين دلالته، ففي حين نجد رجل الأمن الفلسطيني مسالمًا تمامًا تجاه قوات الاحتلال والمستوطنين رغم بشاعة ما يقومون به من جرائم تجاه أبناء شعبنا في الضفة الغربية ويتعامل في هذه المواقف (بصبر) يصل إلى حد البلادة التي يأباها الضمير الإنساني الذي جُبل على الدفاع عن المظلوم ونصرة الحق، تجده في المقابل يتصرف بنزق مبالغ فيه، يتجاوز كل مدونات السلوك التي تحكم عمل الأجهزة الشرطية، التي يتمحور دورها الأساس في حماية المواطن والمحافظة على أمنه الشخصي، والذي يعني بالدرجة الأولى المحافظة على حياته.
بمقارنة بسيطة بين تصرف رجال الأمن في بلاطة وتصرف عناصر قوات الاحتلال، نجد هناك تشابهًا واضحًا، ففي حين تلتزم قوات الاحتلال الصمت واللامبالاة تجاه المستوطنين الذين يرتكبون الجرائم اليومية بحق أبناء شعبنا، سواء بإحراق زيتونهم وأشجارهم، أو الاستيلاء على أراضيهم وبيوتهم، أو الاعتداء الجسدي عليهم، بشكل قد يصل الي إحراقهم أحياء، كما حدث مع عائلة دوابشة، في ذات الوقت نجد قوات الاحتلال لا تتردد في إطلاق النار على الفلسطيني الذي يخرج في مسيرة سلمية ضد الجدار أو الاستيطان أو أي شيء آخر، الأمر الذي يشير إلى أن هذه الأجهزة تشربت عقيدة الأمن الصهيوني إلى حد أصبح محفورًا في التكوين النفسي لرجل الأمن، ولذلك تراه لا تحركه العاطفة الوطنية التي تحرك الإنسان سليم الفطرة في الدفاع عن شعبه المظلوم، ولكن في نفس الوقت تحركه نوازع داخلية غرست فيه إلى حد سوغ له التعامل مع المواطن الفلسطيني بقدر كبير من القسوة غير المعهودة في قوات شرطة وطنية تجاه شعبها.
ولذلك ليس غريبا أن نرى هذه الأجهزة الأمنية التي يفترض بها توفير الأمن للمواطن الفلسطيني تلتزم مقراتها وتغلق عليها أبوابها حين تدخل قوات الاحتلال للمدن والقرى الفلسطينية لتقتل وتعتقل وتعيث فساداً في مدننا وقرانا، ثم عندما تنهي قوات الاحتلال مهمتها الحرام التي تعد جريمة ضد الإنسانية وفقًا للقوانين والمواثيق الدولية، تجد قوات الأمن الفلسطيني تنتشر في الأحياء والطرقات لتمارس الدور الذي تأباه النفس الأبية الكريمة.
إن مقتل دويكات يضعنا أمام مسؤولياتنا جميعا كفلسطينيين، بضرورة إعادة بناء العقيدة الأمنية لهذا الأجهزة على أساس وطني ومهني، تشرف عليه لجنة وطنية من مختصين مشهود لهم بالكفاءة المهنية والطهارة الوطنية، بعيدا عن العقيدة الأمنية الفاسدة التي غرسها فيهم الجنرال الأمريكي دايتون، فولدت لنا هذا النموذج المشوه لرجل الأمن الفلسطيني، الذي أصبح واضحا أن مهمته الأولى هي المحافظة على أمن الاحتلال، وعدم الاكتراث كثيرا بأمن المواطن الفلسطيني وحياته، وهذا يستدعي وقفة جادة من كافة الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني وجميع شرائح الشعب الفلسطيني، للعمل الجاد من أجل تحقيق ذلك الهدف، لأن استمرار هذه الحالة ينبئ بداعيات خطيرة على المجتمع الفلسطيني الذي فقد الثقة في هذه الأجهزة وأصبح يعدّها عبئًا وطنيًا عليه.