"أينما وجد الخطر انسلت الفرص من خلاله"، تنطبق هذه المقولة على الحالة الفلسطينية في مواجهة مخطط الضم الإسرائيلي، الخطر الذي أسس الفرصة لتقارب حركتي فتح وحماس دون أي وساطات أو رعاية خارجية، بعكس سنوات سبقت كان فتح حوار مباشر بين الحركتين لا يكون غالبًا إلا في عاصمة عربية.
عدّ الضم خطرًا سمح بهذه الفرصة، لا ينفي مخاطر سابقة وقائمة لا تزال تهدد الوجود الفلسطيني، وقد تفوقه خطورة، لكنه الخطر الأكبر حاليًّا الذي يهدد بتبدّل تضاريس القضية الفلسطينية.
واستكمالًا لهذا التقارب المهم، أعلن نائب رئيس المكتب السياسي لحماس خليل الحية تنظيم مهرجان مركزي على أرض غزة، سيشارك بكلمة فيه الرئيس عباس ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية، خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو تتويج للقاءات ومؤتمرات سابقة مشتركة وخطاب وحدوي، يؤكد أن جهودًا حقيقية تبذل لتمكين هذا التقارب.
وللحقيقة، إن إعلان المهرجان قوبل بعدم حماسة ونوع من الشك على المستوى الشعبي، بسبب مراكمات الانقسام منذ 14 عامًا؛ لذلك إن هذا التقارب يحتاج إلى إجراءات تزيل هذا الانطباع، وتعزز ثقة الشعب بالتحركات السياسية، وفي مقدمة هذه الإجراءات رفع العقوبات عن غزة، وتهيئة الأجواء بالضفة لمقاومة فاعلة ومؤثرة ضد الاحتلال ومخططاته.
تطلّع كثيرون إلى أن يقام المهرجان على أرض الضفة الغربية، لكن قد تكون هناك أسباب حالت دون ذلك، وعلى رأسها تفشي وباء كورونا، لكن يجب ألا يمنع ذلك التفكير في فعاليات وطنية تبقي على الضفة ساحة الفعل الرئيسة، وميدان الاشتباك الحقيقي الكفيل بإحداث تعقيدات وظروف طاردة للتطبيق.
إن إعلان المهرجان عبر تصريح لنائب رئيس حماس في قطاع غزة خليل الحية يعكس مستوى الدعم الذي توليه الحركة لهذه الخطوة، وهذا السلوك ليس مستجدًّا في موقف حماس، التي تعمل على خلق وتكوين مساحات عمل مشتركة مع فتح ضد إجراءات الاحتلال، وبما لا يوافق رغبته.
أيضًا ظهور زعيمي الحركتين يعد الرسالة المركزية للمهرجان بأن الوحدة هي السلاح الإستراتيجي في مواجهة الضم وصفقة القرن، وستحرص كلتا الحركتين على تسويق هذا العمل المشترك على المستويين العربي والدولي، تسويقًا يشكل إسنادًا ودعمًا للمواقف الخارجية الرافضة للضم، ويحقق آمال وطموحات فلسطينيي الخارج وكل المتضامنين معنا.
هذا التقارب يهمنا جدًّا، ويساعد على إزالة آثار الانقسام وتحسين صورتنا أمام الشعوب العربية، والأهم أنه خطوة لا ينظر إليها الاحتلال الإسرائيلي بارتياح، خاصة أن استمرار الانقسام هو إستراتيجية في السياسة الإسرائيلية، وملف ثالث ورئيس يعمل عليه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو باهتمام، إلى جانب ملفي التطبيع العربي ومواجهة إيران.
لا يزال 2020م عام التغيرات والتحولات السياسية وبعضٌ وصفه بأنه "عام المفاجآت"، الأمر الذي يجعل الوحدة الوطنية خيارًا ممكنًا وقابلًا للتطوير على صعيد العمل المشترك، خصوصًا مع وجود خطر حقيقي كبير يهدد بإنهاء القضية الفلسطينية ويبدد آمال وطموحات شعبنا، لذا إن الضم فرض أن تعمل الحركتان معًا كإخوة، أو يفشل الجميع.