هذا الذي يتقدم في مواقع الموت ومواجهة الوباء، يستلّ سيف العافية ليواجه سيوف الموت التي تطارد شعبه، ويجادل ليل نهار دون كلل او ملل، يقدّم صحة مرضى بلاده وراحتهم على صحته وراحته، يضع مستقبله الذي ما درس الطبّ الا ليكون هنيئا وسعيدا على مهبّ عاصفة شعواء لا نعرف لها أوّلا من آخر، هو بحق فدائيّ وضع روحه على راحته وراح يغامر بها بكل بسالة وشجاعة واقدام.
الفريق الطبّي اليوم في هذه المرحلة الحسّاسة في مواجهة هذا الوباء فيروس كوفيد 19 هو الفدائي الفلسطيني بكل ما تحمله هذه القيمة العظيمة من معنى وتاريخ مشرّف في الحياة الفلسطينية، وهو في معركته هذه يعمل بصمت ويعمل في ظروف استثنائية في غاية التعقيد والقسوة، هو أصلا يعاني من النقص الحادّ في الكوادر البشرية ويعاني من بيئة صحيّة خلفتها معاول الاحتلال وتركت بنية تحتية في غاية القسوة، خاصة اذا قارنّاها بدول متقدمة أو بدول لم تخضع لمثل هذه الظروف القاسية.
الفدائي الفلسطيني المتمثل بالفريق الطبي يقدّم إنقاذ مرضاه ونجاتهم من هذا المرض الخبيث ولو كان في ذلك تعريض حياته للخطر، لا يأبه بسماعه عن إصابة زميل له وهو يتوقّع اصابته في أية لحظة دون أن يدفعه ذلك للتراجع أو التردّد بل بالعكس تماما لا يألو جهدا ولا روحا إنسانية إلا ويتفانى في تقديمها على محكّ العطاء وقد سمعنا من ناجين من المرض بعد قضائهم فترة العلاج عن الروح الإنسانية التي سادت هذه الرعاية الطبيّة الرائدة.
الفدائي الفلسطيني يصبغ عمله بروح وطنية عالية، يعلو في صدورهم الانتماء لهذا الوطن العظيم ويترجم إلى فعل وتضحية، يشعرون مريضهم بأنهم إخوة له وأن حرصهم على حياة مرضاهم ما هو الا تعبير جميل لانتمائهم لهذا الوطن الغالي. وتماما كما شهدت الحياة الفلسطينية الظاهرة الفدائية وما زالت لا تبخل في الذين يقدمون ارواحهم لتحرير أوطانهم، ها هو هذا الفريق العامل في الخدمات الطبية يتقدّم الصفوف بصفته الوطنية الجميلة وينذر نفسه في هذا الخندق المتقدم.
هذا الفدائي الفلسطيني فوق الكلمات وفوق قصائد المديح والثناء، هو على محكّ الحياة والموت فيسقط كلّ شيء ويبقى بروحه الشفّافة النبيلة، لا ترنو عيناه الا الى صناعة المجد والسموّ العالي التي تعلو فيه القيم الإنسانية الأعظم والاروع والانفع للناس، تشرق به شمس الحياة من ظلمة الليل البهيم وهو حامل لشعلة الحرية والمجد، يأتي من بعيد ليبدّد الظلمات ويصنع بلسما للناس وعافية للمرضى، متوكل على ربّه لا يخشى الموت ولا يرقب مدحا ولا ثناء، يسمو ويرتفع ويعانق بروحه الطيبة أجمل وأسمى معاني الحياة.