آه يا زمان
وراك وراك يا شاطر، لن نكل، ولن نمل. لنا في الورى عمق عميق، ولنا موعد مع يوم آتٍ.
وبكل تأكيد تنتهي التراجيديا.. ربما على أبواب القدس والخليل، أو بادية النقب، أو أعالي الجليل، وبيارات يافا وغزة، أو طبريا والغور، أو مرج ابن عامر، أو رفح، أو عوجة حفير.
مرحبا جبران باسيل، مرحبا بالتيار الوطني الحر، وبكل رموز و"أحرار" لبنان.
هل أعاتبك يا جبران باسيل؟!
هل أسألك على ما تكنه لفلسطين والفلسطينيين في لبنان من "احترام وتقدير، وحب وترحيب"؟!
لست أدري كيف أتحدث اليك، وبأي لغة أتكلم!
"معلش".. إننا نعيش العصر التراجيدي، أعني المأساوي اللطيف! أقول اللطيف، لأنه ما زال هناك بقية من أمل، لنعود لبعض الوئام الذي افتقدته العلاقة بيننا كثيرًا!
لستَ أول أبطال هذه التراجيديا، لقد سبقك كثيرون، وما زال منهم من يشاركون "البطولة" كثيرون.
هل أقول لك إن الفلسطينيين وفدوا إلى لبنانك حاملين حِرابا وسيوفا ورماحا من أيام الهمجيات الأولى ليحتلوا بيتك ومزرعتك، ويقتلعوك منها؟
أما جاؤوا بشرا بصفات بشرية آدمية، أرغمتهم عوادي الدهر ليلوذوا بحمى لبنان الحبيب والشقيق لفلسطين، ولكل ديار الشام منذ الأزل؟
إنك لا تحتاج لشرح أو تفصيل يا باسيل!
نعرف أنك صاحب علم ودبلوماسية، والكثير من الكياسة واللباقة، وقد كنت وزير خارجية ناجحًا لجمهورية لبنان، ولطالما صفقنا لمواقفك نصرة للحق العربي في فلسطين، وللقضايا العربية في شتى المحافل الإقليمية والدولية. كما أنك رئيس التيار الوطني الحر، خلفا لمؤسسه الجنرال عون رئيس الجمهورية!
ولا يسعنا بالمناسبة إلا أن ننوه بمواقف حزب التيار الوطني الحر من قضية الشعب الفلسطيني.
عجيب يا باسيل!
إن تصريحاتكم يا "مستر" باسيل عقب التقائكم مع قيادة حركة حماس في لبنان مؤخرًا بمساواة النضال الفلسطيني بالعدو الإسرائيلي، كان بمنزلة قنبلة متفجرة تنسف أواصر الأخوة بين الأشقاء، أبناء فلسطين وأبناء لبنان، سواء منهم المقيمون في لبنان، أم غيرهم في أقطار الشتات الأخرى.
على كل حال، هذا ما كان. أنت حر، وكل ديك على "....." صياح.
صِح يا باسيل كما تشاء أنت وجوقتك، من مضى، ومن بقي، ومن ينتظر.
منذ عام النكبة يا باسيل طفق الفلسطينيون يؤكدون بأعلى أصواتهم، أن بقاءهم في لبنان طارئ ولا يريدون التوطين لا في لبنان ولا غير لبنان. وقد جاءك وفد حماس مستبشراً عساه يشرح الوضع المأساوي لفلسطينيي المخيمات في لبنان، وليخطب تعاطف حزبكم مع لاجئين مسالمين ينشدون العيش بأمان، وبأن يُسمح لهم بما يتيسر من عمل يكسبون منه أود الحياة، كبقية عياد الله من أمثالهم في مخيمات الشتات خارج لبنان.
لن أسترسل كثيرا يا مستر باسيل.. واعلم أن الفلسطينيين قد جاؤوا إلى لبنان عقب نكبة فلسطين، من أجمل مدن وقرى وبقاع فلسطين والشرق وأغناها.
لن أذكركم بالكم الكبير من اللبنانيين الذين كانوا يعملون بأمان واطمئنان في مدن وبيارات فلسطين، لا فرق بين مسلم ومسيحي. اللهم لا منة ولا تشهير.
لبنان يبقى رائعًا ووفيًّا
مقابل هذا النفر الذي أنت منه يا(جبران باسيل) هنالك غالبية من أبناء الشعب اللبناني مسيحيين ومسلمين يحتضنون إخوتهم الفلسطينيين في لبنان بكل أريحية وحب واحترام. واسمح لي أن أستشهد في هذا المقام بما كتبه الصحافي اللبناني العريق طلال سلمان صاحب ورئيس تحرير جريدة السفير قبل احتجابها منذ سنوات؛ في مقال تحت عنوان "الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط" قال: "لا يتخيل الكثير منكم حجم الدور الذي لعبه وما زال الفلسطينيون يلعبونه حتى اليوم في اقتصاد لبنان، وإن كان عليه تعتيم شديد؛ فالفلسطيني في لبنان إن كان مخطئاً فهي فضيحة وعليها شهود، وإن كان منجزا فنكتم عليه ولا نعلنه".
وتابع: "هذه هي الحقيقة، فهل تعلمون أن حجم ما يرسله الفلسطينيون في الخليج 368 مليون دولار كل عام؟ وهل تعلمون أن خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت من الفلسطينيين يساوون أو يزيدون على اللبنانيين". ومضى: "عندما تدخل هذه الجامعة ترى هذه قاعة "طلال أبو غزالة"، وهذه قاعة "حسيب صباع"، وهذه قاعة "كمال الشاعر"، وهم فلسطينيون ممن ساهموا في بناء وتطوير الجامعة بتبرعات خاصة منهم".
واستطرد يذكر بعض الأسماء من فلسطينيي لبنان وقد لعبوا دورا كبيرا فيه، وأن هنالك تعتيمًا كبيرًا على ذلك، وإن ظهروا يظهر أغلبهم كلبنانيين بسبب تجنيسهم وليسوا كفلسطينيين. وأكد أنه لم يبدأ الازدهار في لبنان فعلا إلا بعد نكبة فلسطين 1948، على حد قوله.
وأضاف أن الفلسطينيين قد حملوا معهم من الأموال نحو 15 مليون جنيه إسترليني، أي ما يعادل 15 مليار دولار بأسعار هذه الأيام، وقد أدى هذا إلى إطلاق فورة اقتصادية شديدة الأهمية في كل المجالات، الأمر الذي أشاع حالة من الانتعاش الاستثماري الواسع.
وقال: "كان لتوقف ميناء حيفا ومطار اللد شأن مهم جدا في تحويل التجارة في شرق المتوسط إلي ميناء بيروت وإنشاء مطار بيروت الدولي بعدما كان مطارا متواضعا لا يستقبل إلا الطائرات الصغيرة.
لا أستطيع أن أسرد ما أورده طلال سلمان من أسماء وأعمال جليلة نهض بها الفلسطينيون ما رفع لبنان وجعله جوهرة الشرق.
يستطيع القارئ الكريم الاطلاع على المآثر الفلسطينية في الحياة اللبنانية بالرجوع إلى ما قاله الأستاذ طلال سلمان على موقع غوغل بعنوان: "طلال سلمان.. الفلسطينيون جوهرة الشرق الأوسط -جريدة السفير".
أقول هذا لباسل وغيره من البواسيل في كل "حواكير" لبنان، وأدعوهم لمراجعة المواقف، ولنا لقاء في نهاية التراجيديا، عسى أن نكتب قريبًا بداية كوميديا طال انتظارها.