شخصية قيادية فلسطينية مرموقة لم التقها من قبل ليس ترفعًا، ولكن الظروف حالت دون ذلك، استقبلني مساعدوه ببشاشة وجوه المحبين، ودخلنا مجلس الاستقبال وبقينا في الانتصار بضع دقائق، دخل علينا الرجل القائد وعلى وجهه ابتسامة الصادقين، تُجلل وجهه مسحة إيمانية لا تُخطيها العين، حال بينه وبيني مخاوف وباء كورونا، كنت أرغب في مصافحته وعناقه محبة وتقديرًا لكفاحه من أجل فلسطين، لكن اكتفينا بالنظرات إلى بعضنا بعضًا، وأيدينا على صدورنا، كي لا تمتد يد أحدنا إلى الآخر مصافحة، رحب هذا القائد بزيارتي له وتبادلنا الحديث عن الأهل والأصدقاء وعن الأحوال الاجتماعية العائلية.
(2)
بعد تلك المقدمات انطلق المناضل القائد إسماعيل هنية يشرح الحال في قطاع غزة خاصة والأرض الفلسطينية عامة، تحدث عن صفقة القرن وما يحاك اليوم من مؤامرات من أجل تمريرها بكل أبعادها، تحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني عامة وأهل غزة خاصة من واقع الحياة والمعايشة اليومية، الإدارة العامة في غزة وما تواجهه من مصاعب؛ جراء الحصار الظالم المفروض على غزة من كل الجهات. تحدث عن التعليم والصحة والبيئة والأمن بكل شفافية ووضوح، تحدث عن علاقة القيادة السياسية والإدارية في غزة ببقية الفصائل الفلسطينية. تحدث عن علاقة قطر بالقضية الفلسطينية وخاصة غزة في ظروفها الراهنة. والحق أنني شعرت بصدق القائد وأمانته، وبعض ما قال لم يكن خافيًا عني؛ لأنني من المتابعين للشأن الفلسطيني بحكم النشأة والتكوين التعليمي في قضايانا القومية والإسلامية منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي.
(3)
طرحت على القائد المؤمن بالله وبشرعية جهاده من أجل وطنه فلسطين مجموعة من التساؤلات والتعليقات، منها: لماذا محادثاتكم في حركة حماس مع إخوانكم في حركة فتح تتم عبر المخابرات المصرية، حركة حماس متشعب فيها الفساد والاستبداد بالمراكز القيادية والصف الثاني من الإدارة، أنتم وزعتم مشروع الإسكان الذي شيدته دولة قطر على كوادر وأنصار حماس وحُرم منها الآخرون، مدارس أبناء الحركة في غزة أكثر تأثيثًا وعناية والمدارس الأخرى مهملة، التشيع في غزة أخذ في الانتشار وأنتم صامتون لأنكم على علاقة بإيران، حماس مخترقة إسرائيليًا، وآخرها هروب أحد قادة القسام العسكريين يحمل ملفات وجهاز الحاسوب الذي يحمل معلومات عن غزة ومن عليها وسلمها لإسرائيل، أنتم لم تحسنوا التعامل مع كثير من الدول العربية وخاصة الأردن، وأنتم لم تلتزموا بصلح مكة، هواكم إيراني وليس عربيًا، وغير ذلك من الأسئلة والتعقيبات، صبر على ما أقول دون أن تتغير ملامحه غضبًا أو احتجاجًا واستنكارًا على ما طرحت.
(4)
راح مضيفي يجيب على كل ما طرحت بترتيب لم أعهده، لم يكن أمامه ورقة يكتب ملاحظات، لكنه اختزن في ذاكرته كل ما طرحت. قال: في شأن الحوارات بين حماس وفتح تتم بوجود مصري، وبدون وجودهم، تعلمون بأن علاقة مصر بفلسطين علاقة تاريخية، واقتصادية وأمنية مشتركة، ومصر بالنسبة لغزة هي البيت الكبير الذي نلجأ له أولا، في مصر ولدت جبهة التحرير الوطنية الفلسطينية، ومنها انطلقت حركة فتح، فهي الأب الروحي للحركتين؛ منظمة التحرير وحركة فتح، ولهذا مصر تريد أن تعرف كل صغيرة وكبيرة عما يجري. حواراتنا مع إخواننا في فتح أيضا تسير في مسار فلسطيني فلسطيني، نحن نلتقي مع قيادات فتح ونتحاور وهم معنا في غزة وينقلون كل ما يدور في غزة من حوارات إلى قيادة حركة فتح في رام الله وهذا شيء طبيعي، ليست هناك قطيعة إطلاقا كما يشاع، لكن هناك خلافات في شأن العمل من أجل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، نحن متفقون على رفض صفقة القرن، وقد اتصلت هاتفيًا مع الأخ محمود عباس، وهنأته على الموقف من صفقة القرن وطلبنا التنسيق لإسقاط ذلك المخطط، والعمل متواصل مع إخواننا في فتح بعيدًا عن مصر وأجهزتها المخابراتية، لكنها على علم بما نفعل ولا ضير عندنا من معرفتهم. مشروعنا الوطني ليس سرًا نخفيه عن أحد، مصر هي خيرنا إن أرادت وهي شرنا إن أرادت، نحن في حركة حماس نعتبر مصر سندًا لنا، ونحرص على أمنها كحرصنا على أمننا في غزة خاصة وفلسطين عامة، ونحن نتحدث عن مصر فلابد أن يعلم الناس بأنه من الصعوبة بمكان أن يُجرى صلح بين فتح وحماس دون أن تكون هناك يد مصرية. أما صلح مكة لم تُفشله حماس كما يُشاع وإنما طرف ثالث، والسعوديون يعلمون ذلك جيدًا، لكنهم لا يُحركون ساكنًا في هذا المجال.
(5)
الفساد وما أدراك ما الفساد؟! لتعلم أن الفساد المالي والإداري وقلة الذمة أكثر انتشارًا في مجتمعات الوفرة لا مجتمعات الندرة؛ لأن المال الذي في غزة محسوب من مصدره إلى مصبه، ولا مجال للفساد المالي، علينا رقيب نخافه ونخشاه فيما بين أيدينا هو الله عز وجل وضمائرنا. كل قيادات حماس تسكن في بيوتها قبل أن تتولى زمام السلطة لم نُغير حتى أثاث بيوتنا إلا عندما تدمرها إسرائيل. إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسكن في بيتي في مخيم اللاجئين؛ مخيم الشاطئ، ودُمر أكثر من ثلاث مرات من قبل جيش العدو الصهيوني، وأعدت ترميمه ولم أجر عليه أي توسيعات، وكذلك حال إخواني في القيادة في حماس، نحن جميعنا نخاف الله في المال العام، ولن تمتد يد أحد فينا إليه دون وجه حق وبموجب مستندات رسمية، كل الذين يتحدثون عن فساد في حركة حماس عليهم تقديم الدليل القاطع وعندئذ ستأخذ العدالة مجراها.
آخر القول: للحديث صلة في الأسبوع القادم.